فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (١٣ : ١٧) وان مكث الباطل زمنا ، ف :
(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) : وبما ان الهزم هو غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشن ، فهو ايحاء الى يبسهم في جمعهم إذ لا بلازق عريق ، ولا تلاصق عميق ، فهم ـ إذا ـ على جمعهم يكسرون وجاه الجمع المتلازق المتلاصق من المؤمنين.
وتصديقا لهذه الملحمة القرآنية ، الحاملة نبأ الغيب ، لقد هزمت ـ بعدها بزمن ـ جموع من المشركين في حروبهم مع المسلمين أولاها حرب بدر ، هذه البادرة المعجزة التي بيضت وجوه المسلمين ـ إذ غلبوا وهم ٣٦٣ شخصا ـ على المشركين وهم عشرة آلاف.
تنزل هذه الآية بمكة المكرمة إذ لا عدة لهم ولا عدة فلا جرأة على حربهم ، ثم تتحقق ببشارتها بالمدينة يوم بدر ، وكان يرددها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مبتهجا ان حقق الله له وعده (١) ونصر عبده إذ هزم جمعهم الجميع فولوا الدبر ، ووحدة الدبر كوحدة الجمع إشارة الى وحدتهم في جمعهم.
ومهما كانت هذه الهزيمة ـ بما قبلها وبعدها من هزائم عظيمة فهي هزيلة بجنب الساعة :
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)
إنها أدهى : وابلى لا خلاص عنها ، وامر من كل ما مر : من هزيمة وصاعقة وصرصر وطوفان وحاصب وأخذ عزيز مقتدر ، فانها يوم البطشة الكبرى التي لا قبل لها ولا قبل فيما مرّ ، فانها أدهى وامرّ.
فالمرارة وإن كانت لا يوصف بها إلا المذوقات والمتطعمات ، ولكن الساعة لما كانت مكروهة عند مستحقي العقاب ، ومكروهة بعقابها ، حسن وصفها بما
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ أخرجه جماعة عنه (ص) انه كان يثب في الدرع يوم بدر ويقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ..) فلما انتصر قال : هزم الجمع وولوا الدبر ـ وانزل الله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.