ثم ترى ما هو مقعد صدق ومن هو مليك مقتدر؟ .. إنه قعود صدق ، وقاعدة صدق ، مكان صدق ومكانة صدق ، و (مقعد) توحي بالدوام واللبث ، ومن لطيف ما فيها ان (ق ع د) بكل تقاليبها تدل على الدوام والبقاء (١) ، دون (مجلس) ثم ولا تعني القعود قبال القيام والحراك ، وإنما المقام والمسكن المريح.
ثم إذا كان (مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) هو الله وهو الله ، فالمقعد هو المكانة الصادقة الدائبة ، ف (عند) لا تعني قرب المكان إذ ليس له مكان ، وإنما المكانة والزلفى ، وكما للأخصين من الصالحين : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٦ : ١٢٧) (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ..) (٧ : ٢٠٦).
وإذا كان المليك هو أقرب عباد الله محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كما عليه يراد ضمن المراد ـ فالمقعد هو المكان (٢) ولا غرو في الجمع بين المليك الإلهي والبشري إذ تتحملها (مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) وان كان اين مليك من مليك! وفي هذا الجمع الجميل فالمتقون في مقعد صدق : مكانا ومكانة ، عند مليك مقتدر ـ ف (التقوى جماع كل عبادة صالحة ، وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى ، وبه عاش من عاش بالحياة الطيبة والانس الدائم) (٣) فليعش أطيب الحياة وأدومها عند مليك مقتدر.
__________________
(١) ف : قعد ـ قدع بمعنى ، و : عقد وعدق بمعنى المكث ، ودقع ودعق كذلك ـ ف «مَقْعَدِ صِدْقٍ» توحي بكل تقاليبها بدوام المكوث!.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٣٩ ـ اخرج أبو نعيم عن جابر قال : بينما رسول الله (ص) يوما في مسجد المدينة فذكر بعض أصحابه الجنة فقال النبي (ص) يا أبا دجانة أما علمت ان من أحبنا وابتلى بمحبتنا أسكنه الله تعالى معنا ثم تلا : في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أقول هذا الحديث ذو وجهين ، فقد يعني ب «معنا» نفس (مَقْعَدِ صِدْقٍ) لأنه الصادق الاول في هذا المقعد ـ وقد يعني (مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
(٣) مصباح الشريعة عن الامام الصادق (ع) في تفسير المتقين في هذه الآية.