فهاتان الآيتان من آيات انعكاس الأعمال المنتشرة في سور القرآن بعشرات ، فصلناها في طياتها فراجع (١).
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)
انهم في جنات حسية ونهر ، وأخرى روحية وهي أكبر : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) .. ولقد عرفنا «جنات» : أشجار وبنايات تجنهم عن الشمس وما يؤذي ، فما هي (نهر)؟ هل إنها نهر الماء؟ وفي الجنات أنهار كما في سائر الآيات لا (نهر) : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٢)! وانهم ليسوا هناك في نهر ، وإنما على نهر أو أنهار ، يتنضّرون بها ويستقون منها ويغوصون فيها!
علّ (نهر) هنا ـ هي السعة من فيض الله الفائض على أهل الجنة ، وعلى حدالمروي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (النهر الفضاء والسعة وليس بنهر جار)(٣) كما وتجاوبه اللغة (٤) فهم ـ إذا ـ في جنات ، وفي سعة من كافة الحاجيات المتطلبات ومنها أنهارا ، فهي أيضا من نهر ، إذ لا حياة فائضة بلا أنهار ، فما الطفه ـ دون تكلف ـ أن يراد ب (نهر) ما يشمل الأنهار وفي مثلث التجاوب كتابا وسنة ولغة!
__________________
(١) منها سورة الزلزال والقارعة في ج ٣٠ وسوف نوافيكم بالباقية في سائر الآيات.
(٢) قد جاءت «الأنهار» مع الجنات في ٤٧ موضعا من القرآن ، ولم يأت «نهر» لجنات القيامة إلا هنا ، ولما في الدنيا إلا مرتين «وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً» (١٨ : ٣٣) «إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» (٢ : ٢٤٩) يعني بهما نهر واحد ، وليس نهر الجنات الاخروية واحدا إلا في آيتنا هذه ، فهل أن هذه اليتيمة قبال ٤٧ الأنهار ـ تعني الأنهار رغم وحدة الصيغة؟.
(٣) الدر المنثور ٦ : ١٣٩ ـ أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) :
(٤) في لسان العرب : النهر والنهر واحد الأنهار والجمع أنهار ونهر ونهور والنهر كل كثير الجري وانهرت الدم أسلته ، ونهر في قوله تعالى : ان المتقين في جنات ونهر قد يجوز ان يعني به السعة والضياء ، وفي غريب القرآن : والنهر السعة تشبيها بنهر الماء ، وفي الشعر :
ملكت بها فانهرت فتقها |
|
يرى قائم من دونها ما وراءها |