عاجل العذاب وآجله ، فكيف تحمقون في مجابهة رسولكم الناصح الأمين ، متهددين إياه بالتكذيب لو لم يأت بما تهوون ، مواجهة الحجة بالتهديد الهاتك ، والتشديد الفاتك .. (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)!
فلو وقفتم عند حد فيما تجهلون! ولكنها مستمرة وحتى إذا جاءكم تحسبونه عارضا يمطركم :
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ).
(فَلَمَّا رَأَوْهُ) : العذاب الموعود ، والمستعجل به رأوه «عارضا» سحابا يعرض في الأفق ثم يطبق في السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) : تستقبل مخازن مياههم وكأنها موجهة لها لتمطرها وتملأها ماء ، وذلك بعد ما أصابهم حر وعطش شديد «قالوا» : استبشارا بعارض ممطر بعد جدب ، واستهزاء بهود : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) تنديدا برسولهم وتكذيبا ، فإذا بهم يسمعون منه بإعراض عن عارضهم الممطر (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من عذاب موعود : «ريح» وليس سحابا عارضا ، وإنما من ثخنها وتكاثفها خيّل إليهم انها سحاب (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) : تحمل أليم العذاب.
... وإنها «ريح صرصر عاتية. (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٦٩ : ٨).
(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٥١ : ٤٢) وهي ريح : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ (١) نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) :
تستقبلهم عاصفة مدمرة مزمجرة ، وقد بلغوا في حمقهم لعمقهم أن حسبوها