ففيما يقدم الله أولياءه للبلاء ، او لا يحول بينهم وبين البلاء ، ليس ذلك تخليا منه عن ولايتهم ، ولا تخلفا لوعده لهم ، وانما بلاء معه وبعده الرخاء (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) او ابتلاء بما تخلفوا ـ في الاولى ، ولكيلا يبتلوا بالجزاء الأنكى في الأخرى ، فبلاء المؤمن رخاء أو رجاء الرخاء ، ونعمة الكافر نقمة وابتلاء ، والله منه براء.
ف (ذلِكَ) : الفوز العظيم في الحياة من النصر والتأييد للمؤمنين : أن كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ، وان الله ينصرهم ويثبت اقدامهم : (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) : يلي أمورهم في أولادهم وأخراهم في صراطي التكوين والتشريع فالجزاء الأوفى ، لأنهم دخلوا في حظيرة العبودية ايمانا وعملا صالحا ، فهو هو وليهم وكفى.
و (ذلِكَ) الكبت المهين على الكافرين أن أضل أعمالهم فتعسا وتدميرا في أولاهم ، وفي الأخرى النار مثوى لهم ب (أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) إلا أسماء لا تحمل مسميات : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) (٥٣ : ٢٣).
وليست حياتهم في الأولى إلا حياة الأنعام وأضل سبيلا ثم في العقبى النار مثوى لهم :
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ).
لقد صاغ المؤمنون أنفسهم بصيغة الإنسان بالايمان وعمل الصالحات ، فساقهم الله إلى جنات ، وصاغ الكفار أنفسهم بصيغة الأنعام بالتمتع والاكل مسامحين عن ضمائرهم وعقولهم فحاق بهم ما كانوا يكفرون ، إذ يحسبون الحياة كل الحياة مائدة طعام وفرصة متاع دون أن يهدفوا وراءه ما يهدفه الإنسان ، ولا تقوى