في اقتناءه عما لا يباح ، وترى لماذا النار مثوى لهم وحدهم دون الأنعام وهم يتمتعون متعة الأنعام ويأكلون اكلة الأنعام؟ .. ولأن الله خلق الأنعام هكذا ليصلحوا أكلا للإنسان ، فلو شعروا ما يشعره الإنسان لما رأيت منها سمينا ، وأما الإنسان فقد خلقه للمعرفة والطاعة ، متذرعا كل ما في الحياة لإكمال نفسه وذويه كإنسان ، فإذ لا يفقه بقلبه ولا يبصر بعينه ولا يسمع باذنه فهو إذا صيغة سائغة للنار : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ١٧٩) : هم كالأنعام فيما يستهدفون من الحياة ، وهم أضل من الأنعام إذ قصّروا هنا ثم النار مثوى لهم دون الأنعام ، حيث محقوا كل سمات الانسانية ومعالمها ، فانسحقوا في وصمات البهيمية ومظالمها دون تعفف عن قبيح ، ولا تلهف على مظلوم ، فقد انضغطوا تحت وطأة الشهوة ، وانهتفوا بهتاف المتعة اللذة ، فأصبحوا أضل من الانعام الهيام.
وانها لهي موازنة جميلة دون مجاملة بين الإنسان الحيوان والحيوان ، هدفا في الحياة ، وسيرة ومصيرة مهما اختلف الشكلان : ان الحياة الدنيا المتاع يعاملها المؤمن كمتاع يشتري به الحياة العليا ، زهدا عنها ، أو صرفا لها كسبيل إلى العلا ، مبصرا بها ما وراءها فهي تبصره ، ثم الكافر يعاملها كمتعة لا متاع ، يذهب طيباته اقتناعا لمتاع الدنيا ، قلبا للثمن مثمنا ، مكبا على وجهه في مشيه ، مبصرا إليها كنهاية المطاف فهي تعميه! يعيش حيوانا ويموت حيوانا وأحون مما كان وأهون : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ).
وترى كيف ان الله يدخل المؤمنين العاملين جناته هنا وكأنه لا يدخل الكافرين ناره فهم الداخلون و (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)؟ علّ ذلك مهانة لهم أن لا ولاية لله لهم حتى في عقابهم وهو ولي العقاب ، ثم النار ليست إلا نتيجة