اعمالهم عدلا ، فكأنهم يدخلونها دون إدخال وبطبيعة الحال ، وأما المؤمنون فيشرفون بتشريف الله وسلام : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٣٩ : ٧٣) وان دخول الجنة لهم فضل فوق عدل ، ولا سيما بمضاعفات الثواب والكرامات!.
ثم وليست النار المثوى لهم فقط في الأخرى ، فحياتهم الدنيا كذلك كلها نار وان أبرقت وأرعدت : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤) إذا ف (النَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) في الأولى والأخرى.
كما وان جنات المؤمنين تعم الحياة الدنيا ، مهما حرموا عن زهراتها وشهواتها ولهواتها ، فإنهم عائشون مع الله ، مطمئنين بالله ، راضين بمرضات الله ، فبلاءهم في سبيل الله لذة ، وذلهم في مرضاة الله عزة ، فهم في جنات دني وعقبى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) : ـ : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٤٠ : ٥١) مهما كانت جناتهم في الاخرى أعلى واولى ، كما النار للكفار في الأخرى أشد وأنكى!.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) القرية هي المجتمع ، وليست هي محله الا مجازا ، ولقد أخرجته قريته : مشركو مكة ، وهو متحسر كأنه منحسر بخروجه عن قرية الدعوة : عاصمة الرسالة ، فليس إخراج زعيم الدعوة عن العاصمة هينا يتحمل ، الا بما يطمئن الله وقد طمأنه ـ وعله ـ حين إخراجه (١). ان الله سوف يهلك الكافرين في العاصمة بما يعدك من الفتح المبين ، كما وأهلك من قبلهم كقوم فرعون وعاد
__________________
(١) فقد روي انها نزلت في الطريق بين مكة والمدينة في أثناء رحلة الإخراج والهجرة وهي قريبة من حيث الموقع والظرف.