وكيف يتصوّر كتمانه من نفسه؟ قال القاضي : هذا بعيد ، لأن الإخفاء إنما يصح ممن يصح له الإظهار (١) ، وذلك (٢) مستحيل عليه تعالى ، لأن كلّ معلوم معلوم له ، فالإظهار والإسرار فيه مستحيل. ويمكن أن يجاب بأن ذلك واقع على التقدير ، بمعنى لو صح مني (٣) إخفاؤه عن (٤) نفس لأخفيته (٥) عني ، والإخفاء وإن كان محالا في نفسه إلا أنه يمتنع أن يذكر على هذا التقدير ، مبالغة في عدم إطلاع الغير عليه(٦).
والتأويل الثاني : أن (كاد) (٧) زائدة (٨) قاله ابن جبير (٩) ، وأنشد غيره (١٠) شاهدا عليه قول زيد الخيل (١١) :
٣٦٤٥ ـ سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه |
|
فما إن يكاد قرنه يتنفّس (١٢) |
وقول الآخر :
٣٦٤٦ ـ وأن لا ألوم النّفس ممّا (١٣) أصابني |
|
وأن لا أكاد بالّذي نلت أنجح (١٤) |
ولا حجة في شيء منه (١٥).
__________________
(١) في ب : لأن الانتقال إنما يحصل له الإظهار. وهو تحريف.
(٢) في ب : هذا.
(٣) في الأصل : عني.
(٤) في الأصل : من.
(٥) في ب : وأخفيته. وهو تحريف.
(٦) الفخر الرازي : ٢٢ / ٢٢.
(٧) في الأصل : كان. وهو تحريف.
(٨) البحر المحيط ٦ / ٢٣٣.
(٩) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي كان فقيها ، ورعا ، وكان من سادات التابعين علما وفضلا ، قرأ القرآن على ابن عباس ، وقرأ طيه أبو عمرو قتله الحجاج سنة ٩٥ ه. طبقات المفسرين للداودي ١ / ١٨٨ ، طبقات القراء ١ / ٣٠٥.
(١٠) قطرب. قال ابن منظور : (واحتج قطرب بقول الشاعر : البيت) اللسان (كيد).
(١١) زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي ، قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وفد طيّ سنة تسع ، فأسلم وسماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم زيد الخير ، وقال له : «ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصّفة غيرك». وكان زيد الخيل شاعرا محسنا خطيبا شجاعا.
انظر الشعر والشعراء ١ / ٢٩٢ والخزانة ٥ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠.
(١٢) البيت من بحر الطويل ، وهو في الطبري ١٦ / ١١٥ ، الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢ ، والقرطبي ١١ / ١٨٤ ، اللسان (كيد) ، البحر المحيط ٦ / ٢٣٣. الهيجاء : الحرب. القرن ـ بكسر القاف ـ الكفؤ والنظير في الشجاعة والحرب واستشهد به على زيادة (كاد) لأن المراد : فما يتنفس.
(١٣) في ب : فيما.
(١٤) البيت من بحر الطويل. لم أهتد إلى قائله ، وهو في القرطبي ١١ / ١٨٤ ، البحر المحيط ٦ / ٢٣٣.
واستشهد به على زيادة (كاد) ، فالمعنى : وألا أنجح بالذي نلت.
(١٥) ف (كاد) على بابها بمعنى أنها لمقاربة ما لم يقع ، لأن المعنى في البيتين على وجود (كاد) ، لأنه بالنسبة للبيت الأول ، كان يتنفس فعلا ولكن بصعوبة ، وبالنسبة للبيت الثاني ، وصل إلى النجاح بالذي نال ، وإن كان في الوصول إليه صعوبة حتى كاد لا يصل. وفي الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها ، ولما كان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس ، بالغ تعالى في إعتام وقتها فقال : ـ