وذكر ابن الخطيب هنا سؤالا : فقال : إنّ (كاد) نفيه إثبات وإثباته نفي (١) ، قال تعالى : (وَما كادُوا (٢) يَفْعَلُونَ)(٣) ، أي : ففعلوا ذلك (٤) ، فقوله (٥) : (أَكادُ أُخْفِيها) يقتضي أنه ما أخفاها.
وذلك باطل لوجهين :
أحدهما : لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(٦).
الثاني : إنّ قوله (٧) : (لِتُجْزى (٨) كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار. ثم أجاب بوجوه :
الأول : أنّ «كاد» موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات ، فقوله : (أَكادُ أُخْفِيها) معناه : قرب الأمر فيه من الإخفاء. وأمّا أنّه هل (٩) حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل فهو غير مستفاد من اللفظ بل بقرينة قوله : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.
الثاني : أنّ (كاد) من الله : وجب ، فمعنى قوله : أكاد أخفيها» أي : أنا أخفيها عن الخلق ، كقوله : (عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)(١٠) أي هو (١١) قريب قاله الحسن (١٢). وذكر باقي (١٣) التأويلات المتقدمة (١٤).
وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد : «أخفيها» بفتح الهمزة (١٥)
__________________
ـ أخفى الساعة التي هي يوم القيامة ، والساعة التي يموت فيها الإنسان ليكون الإنسان يعمل ، والأمر عنده مهم ولا يؤخر التوبة) إعراب القرآن ٢ / ٣٥ ـ ٣٦.
(١) قال ابن مالك عن ذلك في شرح الكافية : (ومن زعم هذا فليس بمصيب ، بل حكم (كاد) حكم سائر الأفعال في أنّ معناها منفي إذا صحبها حرف نفي ، وثابت إذا لم يصحبها.
فإذا قال قائل : كاد زيد يبكي. فمعناه : قارب زيد البكاء ، المقاربة ثابتة ، ونفس البكاء منتف.
فإذا قال : لم يكد يبكي ، فمعناه لم يقارب البكاء ، فمقاربة البكاء منتفية ، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة).
شرح الكافية ١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٩.
(٢) في ب : ومادوا. وهو تحريف.
(٣) [البقرة : ٢١].
(٤) قال ابن مالك في شرح الكافية عند تعليقه على هذا الآية (فكلام يتضمن كلامين مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر. والتقدير : فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له.
وهذا واضح ـ والله أعلم ـ) ١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩.
(٥) في ب : فقال. وهو تحريف.
(٦) [لقمان : ٣٤].
(٧) في ب : قوله تعالى.
(٨) في ب : ولتجزى. وهو تحريف.
(٩) في ب : قد.
(١٠) [الإسراء : ٥١].
(١١) هو : سقط من ب.
(١٢) الفخر الرازي ٢٢ / ٢١ ـ ٢٢.
(١٣) في ب : ذكرنا في. وهو تحريف.
(١٤) تقدمت قبل صفحات.
(١٥) انظر المختصر : (٨٧) ، البحر المحيط ٦ / ٢٣٢.