واضطروا إلى تتبع النساء ، فخرجت أخته (١) متعرفة خبره ، فجاءت إليهم متنكرة فقالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) أي على امرأة ترضعه؟ قالوا نعم ، فجاءت بالأم ، فقبل ثديها ، فذلك قوله: (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائك (٢). قوله : (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها). قرأ العامة «تقرّ» بفتح التاء والقاف (٣) وقرأت فرقة : «تقرّ» بكسر القاف (٤) ، وقد تقدم في سورة مريم أنهما لغتان (٥).
وقرأ جناح بن حبيش «تقرّ» بضم التاء وفتح القاف على البناء للمفعول (٦) «عينها» رفعا لما لم يسم فاعله.
فإن قيل : (لو قال) (٧) : كي لا تحزن وتقرّ عينها كان الكلام مفيدا لأنه لا يلزم من عدم حصول الحزن حصول السرور لها ، فلما قال أولا (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) كان قوله (وَلا تَحْزَنَ) فضلا (٨) ، لأنه متى حصل السرور وجب زوال الغمّ لا محالة.
فالجواب : المراد تقرّ عينها بسبب وصولك إليها ، ويزول عنها الحزن بسبب عدم وصول لبن غيرها إلى باطنك (٩). قوله : (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ) ، وهذه المنّة الخامسة. قال ابن عباس : هو الرجل القبطي (١٠) الذي قتله خطأ بأن (وكزه (١١)) (١٢) حيث استغاثه الإسرائيلي إليه ، فحصل له الغم (١٣) من وجهين :
الأول : من (١٤) عقاب الدنيا ، وهو اقتصاص فرعون منه على ما حكى الله تعالى (١٥) عنه (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(١٦).
والثاني : من عقاب الله حيث قتله لا بأمر الله. فنجاه الله ـ تعالى (١٧) ـ من الغمين ، أما من فرعون فوفق له المهاجرة (١٨) إلى مدين ، وأما من عقاب الآخرة (فلأن الله تعالى
__________________
(١) في الأصل : أمه. وهو تحريف.
(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤.
(٣) البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.
(٤) المرجع السابق.
(٥) عند قوله تعالى : «فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً» [مريم ٢٦]. وذكر ابن عادل هناك : (والعامة على فتح القاف من قري ، أمر من قرت عينه تقرّ بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ، وقرىء بكسر القاف ، وهي لغة نجد ، يقولون : قرت عينه تقرّ بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع) انظر اللباب ٥ / ٤١٢.
(٦) المختصر (٨٧) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤٢.
(٧) لو قال : سقط من ب.
(٨) في ب : فصلا. وهو تصحيف.
(٩) الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤.
(١٠) انظر القرطبي ١١ / ١٩٧.
(١١) والوكز : وكزه وكزا : دفعه وضربه. والوكز : الطعن وقيل : وكزه أي ضربه بجمع يده على ذقنه.
اللسان (وكز).
(١٢) ما بين القوسين في ب : ذكره. وهو تحريف.
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤ ـ ٥٥.
(١٤) في ب : على. وهو تحريف.
(١٥) تعالى : سقط من ب.
(١٦) [القصص : ١١].
(١٧) تعالى : سقط من ب.
(١٨) في ب : الهاجرة. وهو تحريف.