وقال (١) : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(٢) ، ولما كان التشديد في المحنة مما يوجب كثرة الثواب عدّه الله من جملة النّعم (٣).
فإن قيل : هل يصح إطلاق الفتّان عليه سبحانه اشتقاقا (٤) من قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)؟
فالجواب : لا لأنه صفة ذمّ في العرب ، وأسماء الله تعالى توقيفية (٥) لا سيما فيما يوهم (٦) ما لا ينبغي (٧).
قوله : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) والتقدير : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) فخرجت خائفا إلى أهل مدين فلبثت سنين فيهم (٨) وهي إمّا عشرا وثمان (٩) لقوله تعالى : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ)(١٠) وقال وهب : لبث موسى عند شعيب عليهماالسلام (١١) ثمانيا (١٢) وعشرين سنة منها عشر سنين مهر امرأته (١٣).
ويرده قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ)(١٤) أي) (١٥) الأجل المشروط عليه في تزويجه.
ومدين : بلدة (١٦) شعيب على ثمان مراحل من مصر (١٧).
قوله : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) هذا الجار متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل «جئت» أي جئت موافقا لما قدّر لك ، كذا قدره أبو البقاء (١٨) ، وهو تفسير معنى ، والتفسير الصناعي : ثم جئت مستقرا أو كائنا على مقدار معين ، كقول الآخر :
٣٦٥٦ ـ نال الخلافة أو جاءت على قدر |
|
كما أتى ربّه موسى على قدر (١٩) |
__________________
(١) وقال : سقط من ب.
(٢) [العنكبوت : ٣].
(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥.
(٤) في ب : إشفاق. وهو تحريف.
(٥) في ب بوصفيه. وهو تحريف.
(٦) في ب : يفهم هو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥.
(٨) على أن في الكلام حذفا وهو حذف المعطوف عليه ، وذلك لأنّ الفاء والواو تختصان بجواز حذفهما مع معطوفهما للدليل ، مثال الفاء قوله تعالى : «أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ» [الأعراف : ١٦٠] أي فضرب فانبجست وهذا الفعل المحذوف معطوف على «أوحينا» من قوله تعالى : «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ». ومثال الواو قول الشاعر :
فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلّا ليال قلائل |
أي بين الخير وبيني. وقولهم : راكب الناقة طليحان. أي والناقة انظر شرح التصريح ٢ / ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٩) في ب : وهي اثنا عشر أو ثمان.
(١٠) [القصص : ٢٧].
(١١) في ب : عليهما الصلاة والسلام.
(١٢) في النسختين : ثمانية ، والصواب ما أثبته.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥ ـ ٥٦. والقرطبي ١١ / ١٩٨.
(١٤) [القصص : ٢٩].
(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٦) في ب : لمد.
(١٧) انظر البغوي ٥ / ٤٣١.
(١٨) انظر التبيان ٢ / ٨٩١.
(١٩) البيت من بحر البسيط قاله جرير ورواية الديوان : ـ