وبدور في حجزة (١) وبدرة (٢) ، أي : فتناك ضروبا من الفتن (٣). عن (٤) ابن عباس أنه ولد في عام يقتل فيه الولدان ، وألقته أمه في البحر ، وقتل القبطيّ ، وأجّر نفسه عشر سنين ، وضلّ عن الطريق وتفرقت غنمه (٥) في ليلة مظلمة. ولما سأل سعيد بن جبير عن ذلك أجاب بما تقدم ، وصار يقول عند كل واحدة : فهذه فتنة يا ابن جبير ، قال معناه الزمخشري (٦).
وقال غيره : بفتون من الفتن أي المحن مختبر بها (٧).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الفتون وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها ، أولها أنّ أمه حملت (٨) في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت ، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم أخذه بلحية فرعون حتى همّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل الجوهرة ثم قتله القبطيّ ، وخروجه إلى مدين خائفا. فعلى هذا معنى : فتناك أخلصناك من تلك المحن كما يفتن الذهب بالنار فيتخلص من كل خبث فيه (٩).
فإن قيل (١٠) : إنه تعالى عدّد أنواع مننه على موسى في هذا المقام ، فكيف يليق بهذا قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)؟
فالجواب (١١) من وجهين :
الأول : ما تقدم من أنّ «فتنّاك» بمعنى خلصناك (١٢) تخليصا.
والثاني : أن الفتنة تشديد المحنة يقال : فتن فلان (١٣) عن دينه إذا اشتدت عليه المحنة حتى رجع عن دينه. قال تعالى : (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ)(١٤) ، وقال : (أَحَسِبَ (١٥) النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(١٦) ،
__________________
(١) أصل الحجزة : موضع شدّ الأزار ، ثم قيل للإزار : حجزة للمجاورة ، اللسان (حجز).
(٢) البدرة : جلد السخلة إذا فطم ، والجمع بدور ، وبدر ، والبدرة ، أيضا : كيس فيه ألف أو عشرة آلاف ، سميت ببدرة السخلة ، والجمع البدور ، وثلاث بدرات. اللسان (بدر).
(٣) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٤ ، البيان ٢ / ١٤٢ ، التبيان ٢ / ٨٩١ ، البحر المحيط ٢ / ٢٤٢.
(٤) في ب : فصل عن.
(٥) غنمه : سقط من ب.
(٦) الكشاف ٢ / ٤٣٤.
(٧) ابن الأنباري وأبو البقاء حيث جوزا أن يكون منصوبا يحذف حرف الجر ، وتقديره : فتناك بفتون. انظر البيان ٢ / ١٤٢ ، التبيان ٢ / ٨٩١.
(٨) في ب : جملته.
(٩) انظر البغوي ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣١.
(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥.
(١١) من ب : والجواب.
(١٢) في ب : أخلصناك.
(١٣) في ب : فلانا. وهو تحريف.
(١٤) [العنكبوت : ١٠].
(١٥) في ب : الم أحسب.
(١٦) [العنكبوت : ٢].