وقال ثالثا (١) : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ)(٢). ورابعا (قال هاهنا «فأتياه» (٣)) (٤).
فإن قيل : إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له (قَوْلاً لَيِّناً)(٥) ، وهاهنا أمرهما (٦) بأن (٧) يقولا «إنّا رسولا ربّك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) وفي هذا تغليظ من وجوه :
الأول : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)(٨) وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما ، وذلك يعظم على الملك المتبوع.
والثاني (٩) : قوله : (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) فيه إدخال النقص على ملكه ، لأنه كان محتاجا إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا : أمرهم له بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم.
والثالث (١٠) : نهيهم له بقولهم : (وَلا تُعَذِّبْهُمْ).
والرابع : قوله (١١) : (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ).
فما الفائدة في القول اللين أولا والتغليظ ثانيا؟
فالجواب : أن الإنسان إذا أظهر (١٢) اللجاجة (١٣) فلا بد له من التغليظ.
فإن قيل : أليس أن الأولى أن يقولا إنا رسولا ربّك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذّبهم ، فإن ذكر المعجز مقرونا بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه؟
فالجواب : بل هذا أولى ، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز(١٤).
قوله : (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) قال الزمخشري : هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي: (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) مجرى البيان والتفسير ، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتهما التي هي مجيء (١٥) الآية(١٦).
فإن قيل : إن الله تعالى أعطاه آيتين ، وهما العصا واليد ثم قال : (اذْهَبْ أَنْتَ
__________________
(١) في ب : وثالثا قال : وفي الأصل : وقال ثالثا قال.
(٢) [طه : ٤٣].
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.
(٤) ما بين القوسين في ب : قال أتياه.
(٥) من قوله تعالى : «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» [طه : ٤٤].
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦١ ، بتصرف يسير.
(٧) في ب : أن.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) في ب : الثاني.
(١٠) في ب : الثالث.
(١١) قوله : سقط من ب.
(١٢) في ب : ظهر.
(١٣) لج في الأمر : تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه.
(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦١. بتصرف يسير.
(١٥) في الأصل : مجرى. وهو تحريف.
(١٦) الكشاف ٢ / ٤٣٥.