الدلالات. لمّا هددهم فرعون أجابوه بما يدل على حصول اليقين (١) التام والبصيرة الكاملة في أصول الدين ، فقالوا : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ، وهذا يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلّا فعل بهم ما وعدهم ، (فأجابوه بقولهم) (٢) : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ، وبيّنوا العلة ، وهي أنّ الذي جاءهم ببيّنات وأدلة ، والذي يذكره فرعون محض الدنيا (٣).
وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا : لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصيّنا (٤).
قوله : (وَالَّذِي فَطَرَنا)(٥) فيه وجهان :
أحدهما : أن الواو عاطفة عطفت (هذا الموصول) (٦) على (ما جاءَنا)(٧) أي : لن نؤثرك على الذي جاءنا ولا على الذي فطرنا ، أي على طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته ، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى (٨) لأنّه من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى (٩).
والثاني : أنّه واو قسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف (١٠) ، أي وحق الذي فطرنا(١١) لن (١٢) نؤثرك على الحق ، ولا يجوز أن يكون الجواب (لَنْ نُؤْثِرَكَ) عند (١٣) من يجوز تقديم الجواب (١٤) ، لأنه لا يجاب القسم ب «لن» إلا في شذوذ من الكلام (١٥).
قوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) يجوز في «ما» وجهان :
أظهرهما : أنها موصولة بمعنى الذي ، و (أَنْتَ قاضٍ) صلتها والعائد محذوف ، أي
__________________
(١) في ب : بما يدل على التبيين. وهو تحريف.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : فقالوا.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٩.
(٤) انظر البغوي ٥ / ٤٤٣.
(٥) في ب : فطرني. وهو تحريف.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) في ب : ما جاء. وهو تحريف.
(٨) في ب : تبارك وتعالى.
(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، البيان ٢ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.
(١٠) من قبل أنّ جواب القسم لا يتقدم على المقسم به كما هو المشهور ويكون قوله : «لَنْ نُؤْثِرَكَ» دليل الجواب. انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، البيان ٢ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.
(١١) فطرنا. سقط من ب.
(١٢) في ب : لا.
(١٣) في ب : على. وهو تحريف.
(١٤) يفهم من كلام ابن هشام في المغني عن حذف جواب القسم أن الفراء وثعلب أجازا تقديم جواب القسم حيث قدرا الجواب في قوله تعالى : «ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» لأن معناه صدق الله ، ورده ابن هشام بأن الجواب لا يتقدم.
انظر المغني ٢ / ٦٤٦. وفي معاني القرآن للفراء : (ولو أرادوا بقولهم : وَالَّذِي فَطَرَنا القسم بها كانت خفضا ، وكان صوابا ، كأنهم قالوا : لن نؤثرك والله) ٢ / ١٨٧.
(١٥) وذلك لأنّ جملة جواب القسم لما كانت متعلقة بالقسم كان لا بدّ لها من رابط يربطها بها ، فجعل للإيجاب حرفان (اللام) ، و(إنّ) ، وللنفي حرفان (ما) ، و(لا) ، ولا يجوز نفي المضارع في جواب القسم ب (لم) و(لن) لأنهم ينفونه بما يجوز حذفه للاختصار ، والعامل الحرفي لا يحذف مع بقاء عمله ، وإن أبطلوا العمل لم يتعين النافي المحذوف. انظر شرح الكافية ٢ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.