وقيل : معنى الكلام أنا أنزلنا القرآن ليتّقوا ، فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث القرآن لهم ذكرا وشرفا وصيتا حسنا ، وعلى التقديرين يكون إنزاله تقوى (١).
قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) لما عظم (٢) أمر (٣) القرآن أردفه بأن (٤) عظم نفسه ، وذلك تنبيه على أنّه يجب على خلقه تعظيمه ، وإنما وصف ملكه بالحقّ ، لأن ملكه لا يزول ولا يتغير ، وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به ، ولهذا (٥) وصف بذلك. و«تعالى» تفاعل (٦) من العلوّ ، وقد ثبت أن علوه وعظمته (٧) لا تكيّفه الأوهام (٨) ولا تقدره العقول (٩).
ثم قال : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).
قال أبو مسلم : إن من قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ)(١٠) إلى هنا يتم الكلام وينقطع ، ثم قوله: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) (خطاب مستأنف كأنه قال «ويسألونك ... ولا تعجل بالقرآن (١١)) (١٢).
وقال غيره : إن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان إذا أنزل عليه جبريل ـ عليهالسلام (١٣) ـ بالقرآن يبادر فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل من التلاوة مخافة الانفلات والنسيان فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يسكت حال قراءة الملك ، يقرأ بعد فراغه من (القراءة (١٤)) (١٥). فكأنه تعالى لما شرح نفع القرآن للمكلفين ، وتبين أنه سبحانه متعال عن كل ما لا ينبغي ، ومن كان كذلك يجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان (في أمر الوحي ، فإذا حصل الأمان عن السهو والنسيان) (١٦) فلا تعجل بالقرآن (١٧) فقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) يحتمل أن يكون المراد لا تعجل بقراءته في نفسك. لما روى عطاء عن ابن عباس : أن يكون أخذك القرآن على تثبيت وسكون (١٨). ويحتمل لا تعجل في تأديته إلى غيرك ، قال مجاهد (١٩) وقتادة : لا تقرأ به أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه (٢٠). ويحتمل في اعتقاد ظاهره (٢١) ، ويحتمل في تعريفه (٢٢) الغير ما يقتضيه ظاهره ، أي : حتى يتبين لك بالوحي
__________________
(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣١.
(٣) في ب : ذكر.
(٤) في الأصل : بأنه.
(٥) في ب : فلذلك. وهو تحريف.
(٦) تفاعل : سقط من ب.
(٧) في ب : إن عظمه وعلوه. وهو تحريف.
(٨) في ب : الأفهام.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١ بتصرف.
(١٠) من الآية : (١٠٥).
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١ ـ ١٢٢.
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٣) عليهالسلام : سقط من ب.
(١٤) انظر البغوي ٥ / ٤٦٠.
(١٥) في الأصل : القرآن. وهو تحريف.
(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.
(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.
(١٩) في ب : فصل قال مجاهد.
(٢٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.
(٢١) في ب : ظواهره.
(٢٢) في ب : معرفة.