ينطقون فاسألوهم ، فجعل النطق شرطا للفعل إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم ، وفي ضمنه أنا فعلت ذلك.
وسادسها : قراءة ابن السميفع المتقدمة (١).
والقول الثاني : قال البغوي : والأصح أن إبراهيم ـ عليهالسلام (٢) ـ أراد بذلك الفعل إقامة الحجة عليهم فذلك قوله : (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) حتى يخبروا من فعل ذلك بهم ، لما روى أبو هريرة عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : لم يكذب إبراهيم (٣) إلا ثلاث كذبات ثنتان منهن في ذات الله ، قوله (٤) : (إِنِّي سَقِيمٌ)(٥) ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) ، وقوله لسارة : «هذه أختي» (٦) وفي حديث الشفاعة قول إبراهيم ـ عليهالسلام (٧) ـ : «إنّي كذبت ثلاث كذبات» (٨) والقائلون بهذا القول قدروه من جهة العقل وقالوا : الكذب ليس قبيحا لذاته فإنّ النبي إذا هرب (٩) من ظالم واختفى في دار إنسان فجاء الظالم وسأل عنه ، فإنه يجب الكذب فيه ، وإذا كان كذلك ، فأي بعد في أن يأذن الله في ذلك (١٠) لمصلحة لا يعلمها إلا هو كما أذن ليوسف ـ عليهالسلام (١١) ـ حين أمر مناديه فقال لإخوته : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(١٢) ولم يكونوا سرقوا (١٣).
قال ابن الخطيب : وهذا القول مرغوب عنه أما الخبر فلأن يضاف الكذب إلى رواته (١٤) أولى من أن يضاف إلى الأنبياء ، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذبوا لمصلحة ويأذن الله تعالى فيه فلنجر هذا الاحتمال في كل ما أخبروا عنه ، وفي كل ما أخبر الله عنه ، وذلك يبطل الوثوق بالشرائع ، وتطرق التهمة (١٥) إلى كلها ، ثم لو صح ذلك الخبر فهو محمول على المعاريض على ما قال عليهالسلام (١٦) «إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب» (١٧).
__________________
(١) تقدم قريبا.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) في ب : إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
(٤) في ب : وقوله.
(٥) [الصافات : ٨٩].
(٦) أخرجه مسلم (فضائل) ٤ / ١٨٤٠ ، والترمذي (تفسير) ٥ / ٣٢١ ، وأحمد ٢ / ٤٠٣.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) أخرجه البخاري (نكاح) ٣ / ٢٤٠ ، الترمذي (قيامة) ٤ / ٦٢٣ ، (تفسير) ٥ / ٣٠٨ ، أحمد ١ / ٢٨١ ، ٢٩٥.
(٩) في النسختين : «هزم».
(١٠) في ب : في ذلك لتوبيخهم والاحتجاج عليهم.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) من قوله تعالى :«فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» [يوسف : ٧٠].
(١٣) البغوي ٥ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦.
(١٤) في الأصل : راويه.
(١٥) في ب : الفهم. وهو تحريف.
(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٧) المعاريض : جمع معراض. من التعريض وهو خلاف التصريح من القول ، يقال : عرفت ذاك في معراض كلامه. انظر النهاية في غريب الحديث ٣ / ٢١٢ ، الفائق ٢ / ٤١٩.