قال الضحاك : أي : مرسلين (١) ، وقال آخرون : عاملين (٢) بطاعة الله (٣). (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم في الخير «يهدون» يدعون الناس إلى ديننا (بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) أي : العمل بالشرائع. وقال أبو مسلم : المراد النبوة (٤). (وَإِقامَ الصَّلاةِ) أي : وإقامة الصلاة ، يعني المحافظة. (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) موحدين. دلّت (٥) هذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، لأنّ قوله تعالى (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) يدل على أنّ الصلاح من قبله.
وأجاب الجبائي : بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم «صالحين» وبكونهم «أئمّة» وبكونهم «عابدين» ، ولما مدحهم بذلك ، وإذا كان كذلك فلا بدّ من التأويل وهو من وجهين :
الأول : أن يكون المراد أنه تعالى أتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به.
والثاني : أنّ المراد تسميتهم بذلك كما يقال : زيد فسق فلانا وكفره ، إذا وصفه بذلك وكان مصدقا عند الناس ، وكما يقال في الحاكم زكى فلانا ، وعدله ، وجرحه ، إذا حكم بذلك. والجواب : المعارضة بمسألة العلم والداعي (٦) ، وأما الحمل على اللطف فباطل ، لأنّ فعل الإلطاف عام في المكلفين ، فلا بدّ في هذا التخصيص من مزيد فائدة ، ولأنّ قوله : جعلته صالحا كقولك : جعلته متحركا ، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر. وأما الحمل على التسمية فمحال ، لأنّ ذلك إنما يصار إليه إلا عند الضرورة في بعض المواضع ، ولا ضرورة ههنا إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم وحينئذ نرجع إلى مسألتي الداعي والعلم (٧).
قوله : (فِعْلَ الْخَيْراتِ) قال الزمخشري : أصله أن تفعل الخيرات ، ثم فعلا الخيرات ، (ثم فعل الخيرات) (٨) وكذلك «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة» (٩).
قال أبو حيّان : كأنّ الزمخشري لما رأى أنّ فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليس من الأحكام المختصة بالموحى إليهم ، بل هم وغيرهم في ذلك مشتركون بنى الفعل للمفعول حتى لا يكون المصدر مضافا من حيث المعنى إلى ضمير الموحى إليهم ، فلا يكون التقدير فعلهم الخيرات وإقامتهم الصلاة وإيتاؤهم الزكاة ، ولا يلزم ذلك إذ الفاعل
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.
(٢) في الأصل : عامرين. وهو تحريف ، وفي ب : عاملون.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.
(٤) المرجع السابق.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.
(٦) والداعي : سقط من ب.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) الكشاف ٣ / ١٦ ـ ١٧.