هذا الترتيب أيضا في قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ)(١) وقال : «فسخّرنا (٢) له الرّيح تجري بأمره» (١٣) فما الفائدة في تخصيص داود بلفظ مع ، وسليمان باللام؟
فالجواب : يحتمل أنّ الجبل لما اشتغل بالتسبيح حصل له نوع شرف فما أضيف بلام التمليك ، وأما الريح فلم يصدر منه إلا ما يجرى مجرى الخدمة فلا جرم أضيف إلى سليمان بلام التمليك وهذا جواب إقناعي(٣).
قوله : «تجري» يجوز أن تكون حالا ثانية ، وأن تكون حالا من الضمير في «عاصفة» فتكون حالين متداخلتين (٤). وزعم بعضهم (٥) : أنّ (الَّتِي بارَكْنا فِيها) صفة للريح ، وفي الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : الريح التي باركنا فيها) (٦) إلى الأرض. وهو تعسف. والمراد بقوله : (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) بيت المقدس (٧). قال الكلبي : كان (٨) سليمان ـ عليهالسلام (٩) ـ وقومه يركبون (١٠) عليها من إصطخر(١١) إلى الشام (١٢) ، وإلى حيث شاء ، ثم يعود إلى منزله.
ثم قال : (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) وكنا بكل شيء عملناه عالمين بصحة التدبير فيه ، علمنا أنما نعطي سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه إلى الخضوع لربه. قوله : (مَنْ يَغُوصُونَ) يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة وعلى كلا التقديرين فموضعها إمّا نصب نسقا على الريح ، أي : وسخرنا (١٣) له من يغوصون ، أو رفع على الابتداء والخبر في الجار قبله (١٤) وجمع الضمير حملا على معنى «من» (١٥) ، وحسن ذلك تقدم الجمع في
__________________
(١) [سبأ : ١٠].
(٢) في النسختين : وسخرنا. وهو تحريف.
(١٣) في ب : أو سخرنا. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠١.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٢٤.
(٥) هو المنذر بن سعيد قال أبو حيان : (وقال منذر بن سعيد الكلام تام عند قوله : «إِلى الْأَرْضِ» و«الَّتِي بارَكْنا فِيها» صفه للريح ففي الآية تقديم وتأخير يعني أن أصل التركيب ولسليمان الريح التي باركنا فيها عاصفة تجري بأمره إلى الأرض).
البحر المحيط ٦ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠١.
(٨) في ب : و. وهو تحريف.
(٩) في ب : عليهما الصلاة والسلام.
(١٠) في ب : يركبون. وهو تصحيف.
(١١) إصطخر : أطلال مدينة إيرانية قديمة. المنجد في الأعلام (٥٢).
(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.
(١٣) في ب : أو سخرنا. وهو تحريف.
(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٣.
(١٥) «من» تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا كان أو مثنى أو مجموعا والأكثر في ضميرها اعتبار اللفظ نحو«وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» الأنعام : ٢٥] ، ويجوز اعتبار المعنى نحو «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» [يونس : ٤٣] ، ما لم يحصل من مطابقة اللفظ لبس نحو : أعط من سألتك ، ولا تقل من سألك ، أو قبح نحو : من هي حمراء أمك. وما لم يعضد المعنى سابق فيختار مراعاة المعنى نحو : وإن من النسوان من هي روضة. وإذا اجتمع في (من) ضمائر جاز في بعضها مراعاة اللفظ وبعضها ـ