وإن خصّ بالفرائض كما يشعر به بعض الروايات أمكن اعتبار مزيد الاختصاص وزيادة الانتفاع ، وعلى كلّ حال فإنّما لم يهمل ويطلق ، إيماء إلى ذلك للتحريض والترغيب ، وفي ترتّب الفلاح على الخشوع في الصلاة لا على الصلاة وحدها ولا عليهما جميعا من التنبيه على فضل الخشوع ما لا يخفى.
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) :
اللغو ما لا يعنيك من قول أو فعل ، وما توجب المروّة إلغاءه وإطراحه ، يعني أنّ بهم من الجدّ ما شغلهم عن الهزل ، ولمّا وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالاعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللّذين هما قاعدتا بناء التكليف ، كذا في الكشاف (١) والظاهر أنّ اللغو لا يختصّ بنحو اللعب والهزل كما قد يتوهّم ، بل يعمّ جميع المعاصي والمكروهات ، أما المباحات كما زعمه شيخنا المحقّق (٢) فموضع نظر ، نعم عن الحسن أنه المعاصي.
ثمّ لا يخفى أنّ الخشوع فيها حقيقة هو جمع الهمّ لها ، والإقبال والتوجّه إليها ، وهو فعل لا ترك ، وان استلزم تروكا ، وأنّ اللغو لو كان منه تركا فالظاهر الممدوح عليه هنا المرغّب فيه تركه ، ولو بفعل ، فلا ينبغي المناقشة بأنّ في كل جمعا بين الفعل والترك كما لا ينبغي بأنّ الإعراض فعل وان استلزم ترك المعرض عنه ، فإنّه قد يراد من الترك ذلك ، أو يراد بالاعراض عدم الالتفات ولو على طريق المبالغة أو المراد تركه متوجّها الى ما يعنيه أو على وجه يبعد منه فعله.
ولعلّ في ذكر الاعراض وتعليق الفلاح به تنبيها على أنّ موجب الفلاح أو علامته حقيقة هو ترك اللّغو أو عدم الالتفات إليه قصدا ، وأنه الكمال لا مجرّد عدم وقوعه منهم فافهم.
قيل : يفهم من الآية وجوب الاعراض عن اللّغو ، لأنّ له دخلا في الايمان أي في كماله ، وقارنه بفعل الزكاة وترك الزناء ، وفيه أنّه إن أراد أنه من علامات كمال
__________________
(١) الكشاف ج ٣ ص ١٧٥.
(٢) زبدة البيان ص ٥٤ ط مرتضوى.