(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ.)
أحسنوا أعمالهم. وما بعد ذلك تفسير لإحسانهم.
(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.)
ما مزيدة والمعنى كانوا يهجعون في طائفة قليلة من اللّيل ، إن جعلت قليلا ظرفا ولك أن تجعله صفة للمصدر أي كانوا يهجعون هجوعا قليلا قاله الكشاف ، لكن اتّصال قليلا بمن اللّيل ، مع تقدّمهما يأبى ذلك ظاهرا ، فان المتبادر كون القليل من اللّيل ، وإن أمكن كون من بمعنى الباء كالباء بمعنى من في قوله تعالى (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) أي منها ، فتدبّر.
أو ما مصدريّة أو موصولة على «كانوا قليلا من اللّيل هجوعهم» أو «ما يهجعون فيه» وارتفاعه بقليلا على الفاعليّة ، وفيه مبالغات : لفظ الهجوع وهو من النّوم ، وقوله قليلا ، ومن اللّيل ، لأنّ اللّيل وقت السّبات والرّاحة وزيادة ما المؤكّدة كذلك.
وصفهم بأنّهم يحيون اللّيل متهجّدين فاذا أسحروا أخذوا في الاستغفار ، كأنّهم أسلفوا في ليلهم الجرائم ، وقوله «هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» فيه أنّهم هم المستغفرون الأحقّاء بالاستغفار دون المصرّين ، أو كأنّهم المختصّون به لاستدامتهم له ، أو إطنابهم فيه.
فان قلت : هل يجوز أن تكون ما نافية كما قال بعضهم وأن يكون المعنى أنّهم لا يهجعون من اللّيل قليلا ويحيونه كلّه؟ قلت لا ، لأنّ ما النّافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، تقول زيدا لم أضرب ، ولا تقول زيدا ما ضربت كذا في الكشاف (١).
وفي الحسن عن محمّد بن مسلم (٢) أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الآية ، فقال : كانوا أقلّ اللّيالي تفوتهم لا يقومون فيها ، وهو يحتمل ما تقدّم ، أي أقلّ أجزاء
__________________
(١) انظر الكشاف ج ٤ ص ٣٩٨ و ٣٩٩ والمجمع ج ٥ ص ١٥٥ وانظر أيضا روح المعاني ج ٢٧ ص ٥ وص ٦.
(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الصلوات المندوبة ج ٥ ص ٢٧٩ المسلسل ١٠٣٠٩ ومثله في البرهان ج ٤ ص ٢٣١ وما نقله المصنف ذيل الحديث