(خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) خيرا ما على حقيقته باعتبار أنّ الصدقة التي يتبعها أذى قبل الأذى حسنة يقتضي الأجر والثواب إلّا أن المنّ والأذى يبطلانها بعدا ومعنى البطلان صرف الثواب في عوض الأذى مثلا ، بل إثمه أعظم وأزيد ، فيبقى بعد أو على الاتساع فلا يلزم منه ما ينافي ما تقدّم وإنّما اقتصر على ذكر الأذى لأن المنّ يستلزمه ولو غالبا.
روى عن النّبي (١) صلىاللهعليهوآله إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتّى يفرغ منها ، ثمّ ردّوا عليه بوقار ولين : أما بذل يسير أو ردّ جميل ، فإنّه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ، ينظرون كيف صنيعكم فيما خوّلكم الله (وَاللهُ غَنِيٌ) خصوصا عن إنفاقكم وإنما نفعه لكم ويأمر به لمصلحتكم (حَلِيمٌ) فلا يعاجل بعقوبة من يمنّ ويؤذى ، بل يؤخر العقاب بحلمه ، وهذا سخط ووعيد على المنّ والأذى ، نعوذ بالله من غضب الحليم.
وأكد ذلك بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) أي ولا بالأذى إبطالا.
(كَالَّذِي) كإبطال أو لا تبطلوا حال كونكم مماثلي الذي (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) أي لأجل رئائهم أو مرائيا لهم أو إنفاق رياء أو إنفاقا كما في تفسير القاضي لكون الإضافة لفظيّة.
(وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فيريد بإنفاقه أو بأعماله وجه الله والدار الآخرة وثوابه فيها ، والعطف على «ينفق» وعليه قيل أي وكالّذي لا يؤمن ، يعنى كإبطاله أعماله أو إنفاقه لأنّ الكلام فيه ، وليس بوجه إذ الموصول واحد لم يتعدّد ، نعم فيه تنبيه عليه كما أشرنا.
قيل : ويحتمل عطفه على رياء بجعله حالا بتأويل المفرد ، وقد استدلّ بالاية على أن كلّ مرائي منافق ، لأن الكافر المعلن غير مرائي ، وفيه نظر فإنه لو سلم ذلك فإنما يلزم أن يكون المراد بالمرائي المذكور المنافق ، بدليل قوله (وَلا يُؤْمِنُ) على
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٣٧٥.