بلدهم بأن ملكهم قد قتل فنضطر إلى صدقهم وإذا أخبروا عن ذلك في أقاصي ديارهم ، علمنا صدقهم عند شرائط التواتر ولا يشترط أن يكون المخبرون على تنائي الديار. فإن أهل البلدة الواحدة إذا أخبرونا. وهم الجم الغفير ، علمنا صدقهم ، وإن كانت البلدة جامعة لهم. وبمثل ذلك لا يشترط أن يشتمل المخبرون على أهل الملل فإن أهل بغداد مثلا لو أخرجوا من بين أظهرهم كل ذمي ، ثم أخبروا عن واقعة جرت ، فإنا نصدقهم مع تمسكهم بالملة الواحدة ، وبمثل ذلك يعلم أن المخبرين يجوز أن يكونوا تحت ذمة.
وقصدنا بما أشرنا إليه من نفي هذه الشرائط ، الرد على اليهود ، فإنهم ربما يشترطون هذه الشروط ، ويحاولون بها القدح فيما نروم إثباته من معجزات رسولنا صلىاللهعليهوسلم ، فهذا القدر غرضنا من خبر التواتر.
وكل خبر لم يبلغ مبلغ التواتر فلا يفيد علما بنفسه ، إلا أن يقترن به ما يوجب تصديقه مثل أن يوافق دليلا عقليا ، أو تؤيده معجزة ، أو قول مؤيد بمعجزة تصدقه. وكذلك إذا تلقت الأمة خبرا بالقبول ، وأجمعوا على صدقه. فنعلم صدقه. فإن فقد ما ذكرناه ، ولم يكن الخبر متواترا ، فهو المسمي ، خبر الواحد في اصطلاح المتكلمين ؛ وإن نقله جمع.
ومما تترتب عليه الإمامة القطع بصحة الإجماع ؛ وهذا ما لا مطمع في تقريره هاهنا ، وقد ذكرناه في كتاب التلخيص في أصول الفقه ما يدل على صحة الإجماع ؛ ولكنا نعضد هذا المعتقد بقاطع في صحة إثبات الإجماع ، جريا على ما التزمناه من إيراد القواطع ، في كل ركن فنقول :
إذا أجمع علماء الأمصار على حكم شرعي ، وقطعوا به ، فلا يخلو ذلك الحكم إما أن يكون مظنونا لا يتوصل إلى العلم به ، وإما أن يكون مقطوعا به ؛ فإن كان مقطوعا به على حسب اتفاقهم ، فهو المقصود ؛ وإن كان مظنونا لا سبيل إلى العلم به ، فيستحيل في مستقر العادة أن يحسب العلماء بطرق الظنون والعلوم الظن علما مطبقين عليه ، من غير أن يختلج لطائفة شك أو يخامرهم ريب ، وتقدير ذلك خرق للعادة.
فإن قيل : إذا تحزب العلماء حزبين ، فحلل حزب وحرم حزب ، وكل حزب زائدون على عدد التواتر ، وهم مصممون على اعتقادهم. قلنا : إذا كانت المسألة مختلفا فيها ، فكل حزب معترفون بأن معتقدهم مظنون ، وإنما كلامنا في إجماع العلماء على قطع في مظنون ، وهذا خرق للعادة لا شك فيه.
فإن قيل : فاجعلوا إجماع العقلاء دليلا على صدقهم بمثل ما ذكرتموه. قلنا قد كلفنا في الشرع أن نسند العقود إلى الأدلة العقلية ، والإجماع وإن قدر مؤديا إلى العلم بمسلك العادات واستقرارها ، فهي متعرضة للانخراق في مجوزات العقول ، فلزم التزام ما كلفناه من المباحثة على الأدلة العقلية. ثم هي شتى لا يضبط مأخذها إلا حبر مبرز وتعارضها شبه كثيرة مخيلة لا ينفصل عنها إلا موفق والقاطع السمعي لا تتعدد جهاته ، وإنما هو نص ثبت أصله وفحواه قطعا ، ولا يتلقى القطع من غيره. فإذا صادفناهم مجمعين على القطع ، مع اتحاد وجه القطع ، قطعنا بصدقهم.