ذلك ، فإن الآية إنما دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته وأنه لا يستبدل بهن غيرهن ، ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال ، فالله أعلم ، فأما قضية سودة ففي الصحيح عن عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها وهي سبب نزول قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) [النساء : ١٢٨] الآية.
وأما قضية حفصة فروى أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن صالح بن صالح بن حيي عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلق حفصة ثم راجعها (١) ، وهذا إسناد قوي.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو كريب ، حدثنا يونس بن بكير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال : دخل عمر على حفصة وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك؟ لعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلقك ، إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي ، والله لئن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ، ورجاله على شرط الصحيحين.
وقوله تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) فنهاه عن الزيادة إن طلق واحدة منهن ، واستبدال غيرها بها ، إلا ما ملكت يمينه ، وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثا مناسبا ذكره هاهنا ، فقال : حدثنا إبراهيم بن نصر ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله القرشي ، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : بادلني امرأتك : وأبادلك بامراتي ، أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي ، فأنزل الله (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) قال فدخل عيينة بن حصن الفزاري على النبي صلىاللهعليهوسلم وعنده عائشة ، فدخل بغير إذن ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأين الاستئذان؟» فقال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت ، ثم قال : من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذه عائشة أم المؤمنين» قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق؟ قال «يا عيينة إن الله قد حرم ذلك» فلما أن خرج قالت عائشة : من هذا؟ قال «هذا أحمق مطاع ، وإنه على ما ترين لسيد قومه» ثم قال البزار : إسحاق بن عبد الله لين الحديث جدا ، وإنما ذكرناه لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه وبينا العلة فيه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الطلاق باب ٣٨ ، والنسائي في الطلاق باب ٨٦ ، وابن ماجة في الطلاق باب ١.