عن ذلك وزجركم عنه.
ثم قال تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن ، فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن مسعر عن موسى بن أبي كثير عن مجاهد عن عائشة قالت : كنت آكل مع النبي صلىاللهعليهوسلم حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه فأكل ، فأصابت إصبعه إصبعي ، فقال حسن أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، فنزل الحجاب (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) أي هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب.
وقوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا مهران عن سفيان عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) قال : نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبيصلىاللهعليهوسلم بعده ، قال رجل لسفيان : أهي عائشة؟ قال : قد ذكروا ذلك.
وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وذكر بسنده عن السدي إن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك ، ولهذا اجتمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده ، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين كما تقدم ، واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته : هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله (مِنْ بَعْدِهِ) أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فما نعلم في حلها لغيره والحالة هذه نزاعا ، والله أعلم.
وقال ابن جرير (١) : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا داود عن عامر أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم مات وقد ملك قيلة ابنة الأشعث ـ يعني ابن قيس ـ فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك ، فشق ذلك على أبي بكر مشقة شديدة ، فقال له عمر : يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه ، إنها لم يخيرها رسول الله ولم يحجبها ، وقد برأها الله منه بالردة التي ارتدت مع قومها : قال : فاطمأن أبو بكر رضي الله عنه وسكن ، وقد عظم الله تبارك وتعالى ذلك ، وشدد فيه وتوعد عليه بقوله : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) ثم قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي مهما تكنه ضمائركم وتنطوي عليه سرائركم ، فإن الله يعلمه ، فإنه لا تخفى عليه خافية (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر : ١٩].
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٧.