أحاط بالقوّة الإلهيّة على جميع ما حصّله الحكماء ، وأشرف بالعناية الأزليّة على دقائق أنظار العلماء ، تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتنطبع صور المعقولات كما هي في قلبه ، وجنانه موهبة من الله تعالى لديه ، وإنعاما منه فائضا عليه.
فجرى في بعض مجالسه سؤال من بعض الفضلاء على قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (١).
فقال : هاتان مقدّمتان متّصلتان اشتركتا في حدّ أوسط على هيئة الشّكل الأوّل ، جامعتان لشرائط الإنتاج ، وهما صادقتان ، فيجب صدق النّتيجة ، وإنّما يتمّ صدقها لو لم يكن بين تاليها ومقدّمها تناف ، لكنّ التالي هنا لا يجامع المقدّم ، لأنّ النتيجة حينئذ هي : ولو علم الله فيهم خيرا لتولّوا وهم معرضون ، والعلم مطابق للمعلوم ، ولا فرق بين وضع العلم ووضع المعلوم ، فالمقدّم يتضمّن ثبوت الخير وتحقّقه ، فيكون فرض علم الخير بتضمّن فرض الخير ، ولا يمكن أن يكون فرض الخير ووجوده ملزوما لتولّيهم معرضين.
فأجاب خواجه رشيد الدّين عزّت أنصاره بوجوه :
الأوّل :
المنع من اتّحاد الوسط ، لأنّ التالي اخذ في الصغرى على تقدير وضع المقدّم وهو ثبوت الاستماع على تقدير علم الخير ، والمقدّم اخذ في الكبرى على تقدير ثبوته في نفس الأمر ، لا على تقدير فرض علم الخير ووضعه ، فيصير تقدير القياس : ولو علم الله فيهم لأسمعهم على تقدير العلم بثبوت الخير
__________________
(١) سورة الأنفال (٨) : ٢٣.