على هذا القياس في الصور والأعراض الحادثة (١)
المقدّمة الثانية
في كيفيّة حصول اليقين
قد عرفت فيما تقدّم أنّ النّفس مستعدّة لقبول فيضان العلوم الضروريّة والكسبيّة ، وأنّ كلّ حادث لا بدّ له من استعداد سابق ، ولا شكّ أنّ الله تعالى وتقدّس حيث خلق النّفس البشريّة ناقصة ، لعدم قبولها للصور العقليّة على سبيل الإبداع فيها ، بل على سبيل الصنع ، وجب استناد الاستعدادات المختلفة المراتب إلى أسباب تحدث فيها ، فخلق الله تعالى البدن وجعل النّفس متعلّقة به تعلّق العاشق بمعشوقه لتستكمل (٢) بواسطته في قوى العلم والعمل ، وخلق سبحانه وتعالى بحسب لطف عنايته في البدن قوى مخصوصة جسمانيّة ، درّاكة للصور والمعاني ، وحافظة لهما بعد الغيبوبة ، فتدرك النّفس في مبدأ الفطرة بواسطة القوى الحسّاسة أصناف المحسوسات إدراكا غير تامّ ، ولهذا لا يفرق الطفل بين أمّه وغيرها في ابتداء الخلقة ، فإذا تكرّر منه الإحساس للأشخاص فرق بين أمّه وغيرها ، وكذا باقي المحسوسات ، فإدراك المحسوسات بواسطة الحواس ، وإدراك العلوم الضروريّة الكلّيّة بواسطة الإحساس بالامور الجزئيّة ، لأنّ الاستعداد للعلوم الضروريّة يحصل بواسطة إدراك الجزئيّات ، فإنّ النّفس إذا أدركت زيدا وعمرا وفرسا وحجرا وسوادا ، وتكرّرت الإحساس بذلك مرّة بعد اخرى ، حصل له استعداد إدراك مشاركة بين زيد وعمرو ليست بينهما
__________________
(١) في «ل» : المادية.
(٢) في «ل» : واستكمل ، في «ش» : يستكمل.