نعم إذا فرضت تعلّق العلم به ، فقد فرضت وقوع المعلوم ، لأنّ فرض وقوع أحد المتطابقين يستدعي فرض وقوع الآخر ، فإذا فرضت وقوع المعلوم حصل له وجوب لاحق (١) وكذا إذا فرضت ما يطابقه ، وكما أنّ هذا الوجوب مع فرض وقوع المعلوم لا يؤثّر في الإمكان الذّاتي للمعلوم ، كذا فرض العلم الّذي هو مطابقه ، ولا فرق بين علم الله تعالى في ذلك وعلم الواحد منّا ، فإنّا إذا علمنا وجود زيد في الدّار ، لو لم يكن موجودا لزم أن لا يكون ما فرضناه علما ، وانقلاب الحقائق محال ، فيجب أن يكون زيد موجودا حتّى يمكن تحقّق علمنا به ؛ وكما أنّ وجود زيد في الدّار يكون مستندا إلى إرادته وقدرته ، لا إلى علمنا ، كذلك علم الله تعالى غير مؤثّر في المعلوم.
والجواب عن الثّالث أنّه خطأ ، فإنّ الشّركة إنّما تتحقّق لو قلنا إنّ العبد قادر لذاته على جميع الأشياء ، غير مغلوب في شيء ممّا يريده ، وأمّا إذا قلنا إنّ الله تعالى قد منحه قدرة وإرادة باعتبارهما يؤثّر في بعض الأفعال ، وإنّ الله قادر على تعجيزه وقهره وسلب قدرته وإرادته ، فإنّه لا يلزم أن يكون شريكا لله تعالى.
والجواب عن الرّابع أنّ العجز إنّما يلزم لو لم يقدر الله تعالى على قهر الكافر على الإيمان ، أمّا على تقدير أن يقدر الله على قهره عليه وإجباره فإنّه لا يكون عجزا ، لكنّ الله لا يريد منه إيقاع الإيمان كرها ، بل على سبيل الاختيار ، لئلّا يقبح التكليف منه تعالى ، فأيّ عجز يتحقّق حينئذ إذا لم يؤمن العبد باختياره؟
__________________
(١) حصل الوجوب باعتبار فرض وقوع الممكن ، فإنّ كلّ ممكن على الإطلاق إذا فرض موجودا فإنّه حالة وجوده يمتنع عدمه ، لامتناع اجتماع النقيضين ، وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا ، مع أنّه ممكن بالنظر إلى ذاته.