الرّابع :
إنّ الإيمان لو أراده الله تعالى من الكافر لزم عجز الله ، لأنّ الكافر قد وقع مراده وهو الكفر ، والله تعالى لم يقع مراده وهو الإيمان.
(الجواب عن أدلّة الأشاعرة)
والجواب عن الأوّل من حيث المعارضة ، ومن حيث الحلّ :
أمّا المعارضة : فإنّا نورد دليلهم في حقّ الله تعالى ونقول : الله تعالى إذا فعل فعلا فإن لم يتمكّن من تركه لزم الجبر ، وأن لا يكون الله تعالى مختارا في أفعاله ، بل يكون موجبا وهو كفر ، لأنّه مذهب الفلاسفة ، وإن تمكّن من التّرك كانت قدرته على الفعل والتّرك واحدة ، فإذا رجّح الفعل فإن لم يفتقر إلى مرجّح لزم ترجيح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجّح ، وهو محال عندهم ، وإن افتقر إلى مرجّح ، فذلك المرجّح إن وجب معه الفعل لزم الجبر ، فيكون الله تعالى موجبا وهو محال ، وإن لم يجب عاد البحث فيه ، فما هو جوابهم عن الله تعالى هو جوابنا عن العبد.
وأمّا الحلّ : فإنّا نقول أوّلا : إنّه يجب معه الفعل (١) ، قوله : يلزم الجبر. قلنا : لا نسلّم ، فإنّ الفعل هنا يجب بقدرة العبد وإرادته ، والجبر إنّما يلزم لو وجب لا
__________________
(١) أي إنّا نختار أنّ المرجّح هو الإرادة ووجوب الفعل من قبلها ، وهذا الوجوب لا ينافي الاختيار والتمكّن من الترك بالنظر إلى نفس القدرة ، بل يحقّقه ، لأنّ القادر هو الّذي يصحّ منه الفعل والترك قبل الإرادة ، وإن وجب بعد تعلّق الإرادة به فهو واجب بالغير ، ومن المقرّر أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، ولا شبهة أنّ هذا الوجوب وجوب بالغير ، فلو كان منافيا للاختيار لما وجد قادر مختار أصلا.