المقدّمة الرابعة
في أنّ المانع من التعقّل هو المادّة
الّذي استقرّ عليه رأي الفلاسفة أنّ المادّة مانعة من التعقّل ، أمّا أوّلا ، فلأنّ المادّة ذات وضع ، والتعقّل إنّما هو للصور الكلّيّة ، ولا حلول للكلّي غير (١) ذي الوضع في الجزئي ذي الوضع ، وإلّا لكان له وضع مع فرض تجرّده ، وهذا خلف.
وأمّا ثانيا ، فلأنّ التعقّل هو الحصول ، والحاصل في المادّة ليس حاصلا لنفسه بل لغيره فلا يكون عاقلا لنفسه ،. إنّما يحصل التعقّل للامور المتعالية عن الموادّ والأوضاع ، وتلك هي «المجرّدات» كالعقول والنّفوس الفلكيّة والإنسانيّة.
المقدّمة الخامسة
في اختلاف النّفوس البشريّة في الذكاء
التجربة والزمان (٢) متطابقان عليه ، فإنّا نجد في أشخاص النّوع الإنساني من بلغ في البلادة وجمود الذهن إلى حدّ يعجز عن إدراك أظهر الأشياء وأوضحها ، ونجد فيهم من بلغ في الذكاء والفطنة إلى استخراج المطالب بالحدس الصائب ، فليس ببعيد حصول مرتبة ـ هي أشرف المراتب في جميع المطالب وهي مرتبة النّفس القدسيّة المسمّاة بالعقل المستفاد ـ لبعض أشخاص البشر ، وهم المؤيّدون من الله تعالى بجودة الذهن ولطف القريحة بحيث يقع
__________________
(١) في الأصل : عن ، تصحيف.
(٢) في النسختين الآخرتين : والبرهان.