على مقدّمات (١) :
المقدّمة الاولى
في استعداد النّفس لحصول اليقين
وتحقيقه أنّ النّفس الإنسانية خلقت خالية من جميع العلوم والمعارف الضروريّة والكسبيّة ، للعلم الضروري بأنّ أنفس الأطفال في مبدأ خلقهم خالية عن الجميع ، ولا شكّ في أنّها قابلة لها ، لأنّ حصول العلوم الضروريّة والكسبيّة بعد الاستعداد التّام لها ضروريّ ، ولو لا القبول لما حصل لها ذلك ، فإنّ كلّ حاصل بعد أن لم يكن لا بدّ وأن يسبقه إمكان حصوله ، فإنّ القسمة العقليّة في الجهات لا تخلو من ثلاثة : الوجوب ، والامتناع ، والإمكان ، والوجوب الذاتي ليس حاصلا لها قطعا ، ولا الامتناع الذاتي ، فلم يبق إلّا الإمكان الذاتي ، ولها بعد الإمكان الذاتي إمكان آخر استعدادي ، قابل للشدّة والضعف ، إذ الأوّل غير كاف في تحصيل الفيض من واهب الصور تعالى وتقدّس ، بل لا بدّ من هذا الاستعداد ، فإذا تمّ وتكامل أفاض الله تعالى الصورة الموهوبة منه تعالى لقابلها ، كما أنّ الصورة الإنسانيّة الحادثة (٢) تفتقر إلى استعداد قبول جسم خاص لا كلّ جسم ، بل جسم معيّن وهو النطفة لها ، ثمّ إنّ النطفة كلّما ازدادت قربا من الصورة الإنسانيّة ازدادت استعدادا ، وهناك مراتب متعدّدة في المسافة المتوهّمة بين مبدأ الخلقة ومنتهاها ، إذا وصل الاستعداد إلى مرتبة منها استعدّ بواسطة ذلك الاستعداد لمرتبة اخرى ، وهكذا إلى أن يحصل كمال الصورة ، و
__________________
(١) في الأصل : مقدّماته.
(٢) في «ل» : المادّية.