بالحركة والسّكون ، كذا يقبح أمر المكلّف بالطّاعة واجتناب المعصية ، لعجزه عنهما ووقوعهما بغيره ؛ لكنّ الله قد أمر ونهى ، وأنذر وحذّر ، ووعد وتوعّد ، وكيف يحسن منه تعالى أن يقول : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢) وهو الّذي فعل الزّنا عندهم ، والسّرقة ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
الرّابع :
إنّ أفعالنا نعلم بالضّرورة أنّها تقع عند قصودنا ودواعينا وبحسبهما ، وتنتفي عند كراهتنا وصوارفنا ، فإنّا إذا أردنا الحركة يمنة فعلناها ولا يقع منّا سكون ولا الحركة يسرة ، ولو لا استنادها إلينا لجاز أن تقع وإن كرهناها ، وأن لا تقع وإن أردناها.
الخامس :
إنّه يلزم منه أن يكون الله تعالى في غاية الظّلم للعباد ، والجور ـ تعالى الله عن ذلك ـ لأنّه يخلق فينا المعاصي وأنواع الكفر والشّرك ويعذّبنا عليها ، ولا فرق بين خلقه الكفر في الكافر ، وخلق لونه وطوله ، فكما يلزم الظّلم لو عذّبه على لونه وطوله ، فكذا يلزم الظّلم لو عذّبه على الكفر الّذي خلقه فيه ، وقد نزّه الله تعالى نفسه ، فقال : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣) (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٤) فأيّ ظلم أعظم من تعذيب الغير (٥) على فعل يصدر من الظّالم لا حيلة للمظلوم فيه ، ولا يتمكّن من تركه.
__________________
(١) سورة النور (٢٤) : ٢.
(٢) سورة المائدة (٥) : ٣٨.
(٣) سورة فصّلت (٤١) : ٤٦.
(٤) سورة غافر (٤٠) : ٣١.
(٥) في «ش» : العبد.