والأصل في ذلك أنّ القادر يفعل بواسطة القصد والاختيار ، ودعوى الدّاعي إلى الفعل ، وهذا الدّاعي هو علم الفاعل ، أو ظنّه بأنّ ما يفعله خير أو نافع فيه ، وهو يقصد الخير ، فإذا تعدّد طريقه وتساوى الطريقان في حصوله فإنّه يسلك أحدهما من غير مرجّح ، لأنّ مطلوبه يحصل بكلّ واحد من الطريقين ، فالمراد هو القدر المشترك ، والخصوصيّات لا مدخل لها في قصده ، بل أيّما حصل حصل مقصوده.
والجواب عن الثّاني من حيث المعارضة ومن حيث الحلّ :
أمّا المعارضة : فإنّ دليلهم وارد في حقّ الله تعالى ، لأنّه تعالى إن علم وقوع الفعل عنه ، فإن جاز أن لا يقع لزم تجويز الجهل عليه تعالى ، وإن امتنع لزم الجبر وانتفاء قدرة الله ، فيكون الله تعالى موجبا لا مختارا وذلك عين الكفر.
وأمّا الحلّ : فنقول : العلم تابع للمعلوم ، وحكاية عنه ، وغير مؤثّر فيه ، والحكاية قد تتقدّم المحكيّ ، كما تقول : غدا تطلع الشّمس من المشرق ، فإنّه حكاية عن طلوع الشّمس متقدّمة عليه ، وقد تتأخّر عن المحكي ، ولا يلزم منه وجوب المعلوم ، وذلك لأنّ العلم والمعلوم أمران متطابقان ، ولا علم إلّا وبإزائه معلوم ، والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم دون العلم (١) فإذا تعلّق العلم بوجود زيد في الدّار ، فلو لا أن يكون لوجود زيد في الدّار تحقّق إمّا قبل العلم أو بعده أو معه لم يتعلّق العلم به ، فهو تابع غير مؤثّر في المعلوم إيجابا أو امتناعا.
__________________
(١) إذ لو لم يكن المعلوم لم يكن علم.