قدرة الجماد ، ومن أسند الأفعال إلى الله تعالى ينفي الفرق بينهما ، ويحكم بنفي ما قضت الضرورة بثبوته.
قال أبو الهذيل العلّاف (١) ـ ونعم ما قال ـ : حمار بشر أعقل من بشر ، فإنّ حمار بشر لو أتيت به إلى جدول صغير وضربته للعبور فإنّه يطفر (٢) ولو أتيت به إلى جدول كبير وضربته فإنّه لا يطفر ويروغ عنه لأنّه فرق بين ما يقدر على طفره وما لا يقدر عليه ، وبشر لا يفرق بين المقدور عليه وغير المقدور.
الثّاني :
إنّه لو كانت الأفعال كلّها منسوبة إلى الله تعالى لم يبق عندنا فرق بين من أحسن إلينا غاية الإحسان ، ومن أساء إلينا غاية الإساءة طول عمره ، وكان يقبح منّا شكر الأوّل ومدحه ، وذمّ الثاني ، لأنّ الفعلين صادران عن الله تعالى لا عن الفاعلين ، ولمّا علمنا بطلان ذلك ، وأنّه يحسن مدح الأوّل وذمّ الثاني علمنا أنّ العلم باستناد الأفعال إلينا قطعيّ لا يقبل الشكّ.
الثّالث :
إنّه لو كانت الأفعال صادرة عن الله تعالى قبح منه أن يأمرنا وينهانا ويكلّفنا ، كما أنّه يقبح من أحدنا أمر الزّمن بالطّيران إلى السّماء ، لأنّا عاجزون عن امتثال هذه الأفعال ، لاستحالة صدورها عنّا
كما أنّ الزّمن عاجز عن ذلك ؛ وكما أنّه يقبح منّا أمر الواقع من شاهق
__________________
(١) هو محمد بن عبد الله بن مكحول البصري المشتهر بالعلّاف من زعماء المعتزلة وممّن شيّد أركان الاعتزال ، وإليه تنتمي الفرقة الهذيليّة من المعتزلة ، له كتب ، منها : كتاب الملابس ، وكتاب في مناظراته مع علي الميثمي ؛ توفي ببلدة سرّ من رأى سنة ٢٣٥ ، وقيل غيرها.
(٢) الطفرة : الوثوب في ارتفاع.