بقدرته وإرادته.
وأمّا ثانيا : فإنّا نقول : إنّه لا يجب معه الفعل (١) ، قوله يلزم ترجيح أحد الطرفين المساويين على الآخر لا لمرجّح. قلنا : نمنع تساويهما ، بل يكون الفعل أرجح وإن لم ينته إلى حدّ الوجوب ، وترجيح الرّاجح ليس بمحال.
وأمّا ثالثا : فإنّا نمنع استحالة ترجيح أحد الطرفين المتساويين على الآخر عند القادر لا لمرجّح (٢) فإنّ العلم القطعي حاصل بأنّ الجائع إذا قدّم إليه رغيفان متساويان فإنّه يتناول أحدهما من غير أن ينتظر وجود مرجّح ؛ وأنّ العطشان إذا وجد ماءين متساويين فإنّه يتناول أحدهما ولا يموت عطشا إلى أن يحصل له المرجّح ؛ والهارب من السّبع إذا اعترضه طريقان متساويان فإنّه يسلك أحدهما ولا ينتظر وجود المرجّح.
__________________
(١) لأنّا نمنع أن يحتاج الفعل إلى مرجّح ملزم ، بل يكفي في صدوره وبقاء الاختيار رجحان الصدور وأولويّة أحدهما على الآخر ، ولا ينتهي الرّجحان إلى الوجوب ، ولو سلّمناه نمنع لزوم الفعل ، لأنّه خلاف الوجدان ، فإنّا نجد أنفسنا معه قادرا ومختارا في انتخاب الفعل على الترك أو بالعكس ، فلا يلزم الجبر ، ولا الترجيح بلا مرجّح.
(٢) هذا الوجه من كلام المصنّف يكون إلزاما للأشاعرة أو أكثرهم حيث جوّزوا من القادر ترجيح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجّح ، لمجرّد الإرادة بلا داع يختصّ بها ، ومثّلوا بما ذكره المصنّف من الأمثلة الوجدانية ؛ وممّن صرّح بنسبة ذلك إلى الشيخ الأشعري سيف الدّين الأبهري الأشعري في مبحث الحسن والقبح من حاشيته على شرح المختصر. بل تجاوزوا عن ذلك أيضا وقالوا بجواز ترجيح المرجوح على الراجح وتفضيل المفضول على الفاضل ، فوضعوا حديثا في شأن أبي بكر وهو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لو وضع أبو بكر في كفّة ميزان ، وجميع النّاس في كفّة اخرى لترجّحت الكفّة الّتي كان فيها أبو بكر. ولا يلتفت إلى ما نقل عن البهلول في ردّ ذلك من أنّه لو صحّ هذا لكان في ذلك الميزان عيب البتّة ، لأنّه كان رافضيّا.