صلىاللهعليهوسلم عن ربه بلفظ الأين ، كما وقع في سؤاله للجارية التي كان يمتحنها ، ولما قالت في السماء حكم بايمانها ، ويقول الجهمي ان الأين وهو سؤال عن المكان ممتنع على الله وليس في الامكان. فكيف يليق أن يسأل عنه رسوله بما هو ممتنع عليه ، فالرسول في نظر الجهمي قد جار في هذه العبارة وما عدل ، وكان بصواب عنده أن يقول لها من الله؟ كما يقع من الملكين عند السؤال في القبر ، ولا يستريح الجهمي كذلك الى ما وردت به الأخبار الصحيحة من أن الرسول صلىاللهعليهوسلم في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع وفي أعظم مجمع للمسلمين كان يشير بإصبعه الى السماء يشهد الله عزوجل على البلاغ والأداء قائلا «اللهم فاشهد» لأن تلك الاشارة الحسية عند ذلك الجهمي ممتنعة على الله لاقتضائها الجهة ، فهو عنده لا يقبل الا الاشارة الذهنية العقلية ، ويحار الجهمي أشد الحيرة في تفسير هذه الأمور ، ولا يدري ما ذا يقول في تأويلها ، فان قال ان الأكف والأبصار انما ترفع الى السماء لأنها قبلة الدعاء كما يتوجه المصلي قبل البيت. قيل له : وهذا أيضا أوضح دليل على ان الله في السماء ، فان الناس يتوجهون بالفطرة في دعائهم إليها حتى من لا يعرف أن الشرع أمر به ، والناس طبعا في توجههم نحو السماء لا يسألونها هي قضاء حوائجهم ، ولكن يسألون الرب صاحب الفضل والاحسان جل شأنه. والرسول كان يشير بإصبعه الى السماء لم يكن يطلب شهادتها هي على ما قام به من البلاغ والأداء ، وانما كان يشهد رب السماء الذي هو الشهيد المطلع على عمله كله ، والذي هو منزل الفرقان ولو كره ذلك المحرفون الجهلاء.
* * *
وكذاك قلت بأنه متكلم |
|
وكلامه المسموع بالآذان |
نادى الكليم بنفسه وكذاك قد |
|
سمع الندا في الجنة الأبوان |
وكذا ينادي الخلق يوم معادهم |
|
بالصوت يسمع صوته الثقلان |
أني أنا الديان آخذ حق مظ |
|
لوم من العبد الظلوم الجاني |
وتقول ان الله قال وقائل |
|
وكذا يقول وليس في الامكان |