احتجّ الموجبون بأنّها منفعة لا يتوجّه بها ضرر على فاعلها ، ولا على غيره ، وليس فيها وجه من وجوه القبح ، فيتعلّق بها الداعي ، وينتفي عنها الصوارف ، وكلّ ما كان كذلك ، فلا بدّ أن يبعث الحكمة على فعله.
احتجّ المانعون بأنّ ذلك لو وجب لوجب فعل ما لا نهاية له من المنافع ، لوجود المقتضي لذلك ، لكن فعل ما لا نهاية له محال ، فما أدّى إليه مثله.
ولقائل أن يجيب عن هذا الوجه بأنّ ما لا نهاية له متعذّر ، فلا تتعلّق به الداعي.
وأمّا المصالح الدينيّة ، فإنّها تنقسم إلى ما يقع عنده الطاعة ، ويسمّى لطفا بقول مطلق ، وإلى ما يكون المكلّف معه أقرب إلى الطاعة ، ويسمّى لطفا مقرّبا ، وفي مقابلة ذلك المفسدة ، فمنها ما تقع عنده المعصية ، ومنها ما يكون المكلّف معه أقرب إلى فعل المعصية. (١١٣)
وهل يجب على البارئ سبحانه فعل اللطف أم لا؟ الأكثرون يقولون بوجوبه ، واحتجّوا على ذلك بوجوه :
أحدها : أنّ اللطف مفض إلى غرض المكلّف ، وليس فيه وجه من وجوه القبح ، ولا يؤدي إلى ما لا نهاية له ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب في الحكمة ، أمّا أنّه مفض إلى غرض المكلّف ، فلأنّا نتكلّم على هذا التقدير ، وأمّا
__________________
(١١٣) وقد قسم المعتزلة اللطف إلى قسمين : أحدهما ما يختار عنده المكلّف الطاعة ويسمّى توفيقا ، أو يختار عنده ترك القبيح ويسمّى عصمة ، والثاني ما يقرّب من الطاعة ويقوّي داعيه إليها. والمفسدة ما يقابل اللطف ، وهذا على ضربين : إمّا مقرّبة ، وإمّا ما يختار عندها الفعل. أنوار الملكوت ١٥٤.