وهل يكفي في التوبة الندم على القبيح لكونه قبيحا أم يفتقر الندم عليه لقبحه إلى وجه قبحه أم للزواجر والدواعي؟ في ذلك خلاف. والذي يظهر الاجتزاء بالندم للقبح.
وهل يصحّ أن يتوب عن معصية دون معصية؟ فيه تردّد ، والأظهر جوازه. لا يقال : إذا ترك القبيح لكونه قبيحا وجب أن يترك كلّ قبيح لاستوائهما في ما يقتضي تعلّق الصارف. لأنّا نقول : لا نسلّم وجوب التساوي على تقدير تساويهما في القبح ، وهذا لأنّه قد يحصل في أحدهما من المزيّة ما لا يحصل في الآخر ، فيكون ذلك القدر من المزيّة مقتضيا لتعلّق الداعي به دون الآخر ، فيجري هذا مجرى من ترك مأكولا لحموضته مثلا فإنّه لا يجب أن يترك الحامض الآخر ، إذا كان مشتملا على زيادة من عذوبة طعم أو نفع في اغتذاء ، فالفرض الذي فرضه من التساوي في القبح لا يوجب التساوي في الدواعي والصوارف. (١٥٧)
وهل يسقط العقاب بالتوبة عقلا؟ فيه أقوال. قيل : يجب في العقل بمعنى أنّ التوبة تسقط العقاب فيعود انزاله بالمكلّف ظلما. وقال آخرون : يجب في الجود. والحقّ أنّه لا يجب عقلا ، وإنّما الشرع دلّ عليه ، وسقوط العقاب عندها بالتفضّل.
احتجّ الموجبون بوجهين : أحدهما : أنّ من خالفنا في الإسلام ، مرتكبا لبعض المذاهب ، إذا تاب وأقلع عن مذهبه ، وبالغ في إنكاره ، يسقط لومه ، ويجب
__________________
(١٥٧) هل يصحّ التوبة من قبيح دون قبيح أم لا؟ ذهب أبو علي الجبّائي إلى الأوّل ، وذهب ابنه أبو هاشم إلى الثاني ، ونقل هذا القول قاضي القضاة عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ وأولاده كعليّ بن موسى الرضا ـ عليهمالسلام ـ إرشاد الطالبين ٤٣٤.