التواتر ، فإنّه لا يفيد خبرهم العلم ، لأنّه ليس إخبارا عن محسوس ، ولو أخبر هؤلاء بأنّهم شاهدوا قدوم مسافر أو بناء دار أو غير ذلك من الامور المحسوسة لأفاد العلم.
وثانيها : بلوغهم الحدّ الذي يعلم استحالة التواطؤ معه على الافتعال. وهل لذلك حدّ؟ قال قوم بتحديده وهم طوائف : طائفة حدّته بأربعين ، واخرى بعدّة أهل بدر ، واخرى بسبعين ، وغير ذلك من الأقوال المذكورة في الخلاف (٣٨) وقال آخرون : لا حدّ لذلك في نفس الأمر ، وقال آخرون : بل له حدّ في نفس الأمر ، لكنّه لا ينضبط.
والحقّ أنّه ليس لذلك حدّ في نفس الأمر ، بل يجوز أن يحصل اليقين بخبر الاثنين إذا انضمّ إلى خبرهما ما يدلّ على استحالة اتّفاقهما على وضع الخبر ، وقد لا يحصل مع إخبار المائة والأكثر ، إذا جوّز اتّفاقهم على وضعه.
وبيان ذلك : أنّه لو كان اثنان متباعدين ثمّ أورد مورد بينهما قطعة من شعر لم يفهمها الثالث ، ثمّ سأل ذلك الثالث ذينك الاثنين عن ما أورده المورد حتّى أخبر كلّ واحد منهما أنّه أورد قطعة من شعر معيّن لشاعر معيّن ، فإنّه يعلم قطعا صدق ذلك ، مع فرض العلم باستحالة اتّفاقهما على الكذب والترسل (٣٩) فيه.
فعلم أنّ الضابط في العلم بصدق الخبر هو استحالة الاتّفاق عليه ، ولا عبرة بأعداد المخبرين في ذلك ، فإذا المنتج للعلم ليس نفس الخبر
__________________
(٣٨) كالتحديد بالعشرين تعلّقا بقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ ...) راجع عدّة الاصول ١ / ٢٥٧.
(٣٩) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : التراسل.