البلدان والوقائع يفيد العلم الضروريّ على توقّف فيه ، وما تعلّق بالأديان والعقائد كسبيّ. (٤١) والحقّ أنّه كسبيّ بأجمعه ، لأنّ العلم الحاصل عنده تابع للعلم بانتفاء التواطؤ والاتّفاق عليه ، فيكون المنتج للعلم بصحّة الخبر التفطّن لهذا العلم الأوّل ، ولا معنى للنظريّ إلّا العلم المستفاد بواسطة علم آخر.
احتجّ القائل بأنّه ضروري بأنّه لو كان كسبيّا ، لما حصل لمن لم يمارس العلوم ولا عرف (٤٢) كيفيّة اكتسابها ، لكن هذا العلم يحصل للعوام عند سماع هذا الخبر المتواتر ، لا بل للأطفال المراهقين. ولأنّه لو كان نظريّا لجاز أن يسمع الإنسان الخبر المتواتر مع صحّة عقله وتمام فطنته ، ثمّ لا يحصل له
__________________
(٤١) الذي يحصل عنده العلم ينقسم قسمين : أحدهما يحصل العلم به لكلّ عاقل يسمع تلك الأخبار ولا يقع منهم فيه شكّ ، كأخبار البلدان والوقائع والحوادث الكبار. والضرب الثاني لا يحصل العلم عنده إلّا لمن نظر واستدلّ وعلم أنّ المخبرين بصفة من لا يكذب ، ومثاله الإخبار عن معجزات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الخارجة عن القرآن ، وما ترويه الإماميّة من النصّ الصريح على أمير المؤمنين عليّ ـ عليهالسلام ـ.
فأمّا القسم الأوّل فذهب قوم إلى أنّ العلم الواقع عنده ضروريّ من فعل الله تعالى بالعادة ، وهو مذهب أبي عليّ وأبي هاشم ومن تبعهما من المتكلّمين والفقهاء.
وذهب قوم آخرون إلى أنّ العلم بذلك مكتسب ليس بضروريّ ، وهو مذهب أبي القاسم البلخي ومن وافقه.
والذي نصرته ـ وهو الأقوى في نفسي ـ في كتاب الذخيرة والكتاب الشافي التوقّف عن القطع على صفة هذا العلم بأنّه ضروريّ أو مكتسب ، وتجويز كونه على كلّ واحد من الوجهين ... الذريعة إلى اصول الشريعة للسيّد المرتضى ـ ره ـ ، ٤٨٤ ـ ٤٨٥.
(٤٢) في الأصل : ولا اعرف.