لا يقال : هذه أخبار آحاد فلا يحتجّ بها في الامور اليقينيّة (٩١) لأنّا نقول : لا نسلّم أنّها من قبيل أخبار الآحاد ، بل منها المتواتر ، (٩٢) ومنها المشهور الذي يعضد بعضه بعضا حتّى يستفاد منه اليقين. ولو سلّمنا جدلا أن كلّ واحد منها بعينه واحد ، لكن يتّفق بأجمعها في الدلالة على حصول المعجز ، فنعلم صدور المعجز عنه من مجموعها ، كما يعلم كرم حاتم علما يقينيّا ، وإن كانت مفردات مكارمه آحاد. (٩٣)
وإذا ثبت أنّه ادّعى النبوّة وظهرت المعجزات على يده ، وجب أن يكون صادقا. وتقريره ما مرّ في بحوث مقدّمة هذا الباب.
واعلم أنّ الناس اختلفوا في وجه الإعجاز ، فقال قوم : هو الفصاحة. وقال آخرون : هو الاسلوب. (٩٤) وآخرون : هو مجموع الأمرين. وآخرون : هو
__________________
وفي المناقب لابن شهرآشوب ١ / ١٤٤ : ذكر أنّ له أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف ، تتنوّع أربعة أنواع : ما كان قبله ، وبعد ميلاده ، وبعد بعثته ، وبعد وفاته وأقواها وأبقاها القرآن ...
(٩١) أي الامور التي لا تثبت بالتعبّد كاثبات الصانع والنبوّة.
(٩٢) وليس لأحد أن يقول : إنّ هذه أخبار آحاد ، وذلك أنّ المسلمين تواتروا بها خلفا عن سلف ، وهي بينهم شائعة ذائعة ، وأكثر هذه المعجزات وقع بحضرة الجمع الكثير ، ثمّ تواتر النقل به. تمهيد الاصول ٣٤٦.
(٩٣) فهذه المعجزات وإن كان كلّ واحد منها مرويا بطريق الآحاد إلّا أنّا نعلم بالضرورة أنّها ليست بأسرها كاذبة ، بل لا بدّ أن يصدق بعضها ، وأيّها صدق ثبت به ظهور المعجز على يده موافقا لدعواه ، وهذا هو المسمّى بالتواتر المعنويّ ، كشجاعة عليّ ـ عليهالسلام ـ وسخاوة حاتم. قواعد المرام ص ١٣٠.
(٩٤) قال السيّد المرتضى : قال قوم إنّه كان معجزا لاختصاصه بنظم مخالف للمعهود.
أقول : كأنّ كلامه تفسير للاسلوب الذي وقع في كلام غيره. فراجع.