العدم. أمّا جواز عدمها فلأنّ الأجسام متساوية في الجسميّة ، فلو وجب لبعضها أن تكون متحرّكة أو ساكنة ، لوجب في الكلّ كذلك ، لكنّه باطل ، إذ كلّ جسم يصحّ اختلاف (١٣) الحركة والسكون عليه. وأمّا أنّ القديم لا يجوز عليه العدم ، فلأنّ القديم إن كان واجب الوجود استحال عدمه ، وإن كان جائز الوجود كان المؤثّر فيه واجب الوجود ، إمّا بمرتبة أو مراتب ، لاستحالة التسلسل والدور ، ويلزم من بقائه بقاء معلوله ، لاستحالة أن يكون أثرا لمختار (١٤).
وأمّا بيان أنّ هذه الحوادث متناهية ، فلأنّ صدق الحدوث على آحادها يستلزم صدقه على نوعها ، إذ النوع لا يتحقّق موجودا في الخارج منفكّا عن شخص. ولأنّ كلّ واحد منها مع فرض حدوثه مسبوق بعدم لا أوّل له ، فمع فرض أن لا بداية تكون الاعدام مفروضة ، فإن لم يحصل من آحادها شيء عند ذلك الفرض فهي متناهية ، وإن حصل لزم السابق والمسبوق (١٥) وهو محال.
وأمّا أنّ ما لم يسبق الحوادث المتناهية فهو حادث فضرورية.
وإذا ثبت حدوثها ثبت أنّ لها محدثا أحدثها لأنّها حدثت مع جواز أن لا تحدث ، فلو حدث من غير محدث لحدث الجائز من غير مؤثّر وهو محال. وإنّما قلنا : إنّها حدثت مع الجواز ، فإنّه لو وجب حدوثها لم تكن بأن تحدث في ذلك الوقت بأولى من غيره ، فكان يلزم قدمها ، أو الترجيح من غير مرجّح.
__________________
(١٣) أي يخلف كل واحد منهما الآخر من باب اختلاف الليل والنهار.
(١٤) بناء على أنّ قدم العالم وكونه تعالى مختارا لا يجتمعان.
(١٥) كذا في الأصل ، ويحتمل سقوط كلمة قبل كلمة : السابق.