الوجه الثالث : أنّه تعالى قادر على تعذيب الكافر إجماعا ، فلو أسلم لم يخل إمّا أن يخرج عن اقتداره على تعذيبه أو لا يخرج ، ويلزم من الأوّل خروجه عن الاقتدار من غير موجب ، ومن الثاني قدرته على القبيح.
احتجّ النظّام بأنّه لو كان قادرا على القبيح ، لصحّ منه فعله ، لكن صحّة الفعل منه دليل على كونه محتاجا أو جاهلا بقبحه ، والدليل لا يدلّ إلّا والمدلول ثابت في نفس الأمر ، فيلزم أن يكون البارئ سبحانه جاهلا أو محتاجا ، تعالى عن ذلك.
وربّما قرّر هذه الطريقة بعبارة اخرى ، وهو أنّه لو كان قادرا على القبيح لكان مع فعله إمّا أن يدلّ على الجهل والحاجة ، وإمّا أن لا يدلّ ، والقسمان باطلان. (٨٨)
والجواب قوله : «لو كان قادرا على القبيح لصحّ منه فعله». قلنا : هذا مسلّم. قوله : «لو صحّ منه فعله لزم الجهل أو الحاجة». قلنا : «لا نسلّم ، وإنّما يتحقّق الجهل أو الحاجة مع فعله لا مع إمكان فعله ، لكن فعله محال ، لا بالنظر إلى كونه قادرا ، بل بالنظر إلى كونه حكيما غير جاهل ولا محتاج ، والقادر لا يخرج عن كونه قادرا لحصول مانع يمنع من إيقاع الفعل ، ولهذا يوصف تعالى أزلا بكونه قادرا ، مع امتناع وقوع الفعل أزلا ، لأنّ الامتناع
__________________
(٨٨) قال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ص ٦١ : وقول النظّام أنّه لو كان سبحانه قادرا على القبيح لصحّ منه وقوعه فيقتضي ذلك خروجه تعالى عن كونه عالما غنيّا ، أو انتقاض دلالة القبيح على ذلك ...
أقول : يظهر وجه بطلان القسمين في كلام المصنّف من بيان أبي الصلاح ـ ره ـ فتأمّل.