الأوّل : أنّ النظر يؤمل به زوال الخوف ، وكلّ ما يؤمل به زوال الخوف فهو واجب. أمّا أنّه يؤمل به زوال الخوف ، فلأنّا نعلم أنّ العقلاء يعوّلون على أنظارهم عند تجدّد الحوادث المشكلة ، فلو لم يكن طريقا من طرق الكشف لما عوّلوا عليه. والخوف الذي نشير إليه هو ما يحصل عند العاقل حين يسمع اختلاف العقلاء في إثبات الصانع والثواب والعقاب ، أو أن يتنبّه من قبل نفسه على جهة الخوف ، أو أن يخطر الله بباله ذلك. وأمّا أنّ كل ما يؤمل به زوال الخوف واجب ، فمعلوم ضرورة. (١٠٣)
__________________
(١٠٣) فإن قيل : متى يجب على العاقل النظر؟ قلنا : إذا خاف من تركه ضررا ، وأمل زوال ما يخافه بالنظر ، فإذا اجتمع الأمران وجب النظر ، وإن لم يحصلا أو لم يحصل أحدهما لا يجب النظر. فإن قيل : متى يحصل الخوف؟ قيل : يمكن حصوله عند امور ثلاثة : أحدهما أن يكون ناشئا بين العقلاء يسمع اختلافهم وتخويف بعضهم وادّعاء كلّ قوم منهم أن الحقّ معهم ، وأن من خالفهم مبطل هالك فإذا سمع ذلك ، ورجع إلى نفسه ، وأنصف وترك حبّ النشء والتقليد وما ألفه ، فلا بدّ من أن يخاف ، ويجوز أن يكون الحقّ في واحد من الأقوال والشبهة هاهنا لا تدخل على أحد. ويمكن أن يتنبّه من قبل نفسه بأن يجد نفسه متصرّفة منتقلة من حال إلى حال ، ويرى آثار النعمة عليه لائحة ، وقد عرف ضرورة أنّ شكر المنعم واجب ، فلا يأمن أن يكون له صانع صنعه ، وأخرجه من العدم إلى الوجود ، وأنعم عليه بضروب الانعام ، وأراد منه معرفته ، ومتى لم يعرف استحقّ العقاب من جهته ، فحينئذ يخاف من تركه النظر. ويجوز أن تكون هذه صورة من خلق وحده منفردا من جميع الخلق ، فإن فرضنا خلقه منفردا وأنّه لا يتنبّه من قبل نفسه ، فلا بدّ أن ينبّهه الله تعالى على ذلك ، بأن يخطر بباله كلاما يسمعه يتضمّن جهة الخوف وأماراته ، والخاطر يجوز أن يكون كلاما ويجوز أن يكون ما يقوم مقامه في التخويف على ما سنبيّنه في باب المعارف. راجع تمهيد الاصول ص ٧ و ١٩٩.