ولم يكتف كفار مكة وعبدة أصنامها ، بالإيذاء والإهانة والاستهزاء بل كانوا يلجئون أحيانا إلى الاستمالة ، والوعد بالأموال الطائلة كي يصرفوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن دعوته ، فقد اقترحوا عليه الرئاسة والسلطان ، ولكن وعدهم ووعيدهم كان سيّان عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان مما يزيد في عزمه وإرادته.
وقد اقترحوا عليه مرة المال الكثير والرئاسة ، فأجابهم النبي قائلا : «والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه».
خرج النبي من «شعب أبي طالب» حوالى السنة العاشرة من بعثته ولم يمض زمن حتى توفي عمه أبو طالب ، وتوفيت زوجته الوفية أيضا.
فلم يكن للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ملجأ ، مما دعا كفار مكة إلى أن يخططوا لقتله ، فحاصروا داره من كل جانب ، كي يحملوا عليه في آخر الليل ، ويقطّعوه إربا إربا في مضجعه.
ولكن الله جلّ شأنه أطلعه بالأمر ، وأمره بالهجرة إلى «يثرب» (١) فاستخلف عليا عليهالسلام في فراشه ، وخرج ليلا برعاية الله وعنايته من داره واجتاز الأعداء ، واختفى في غار يبعد عدة فراسخ عن مكة المكرمة ، وخرج من الغار بعد ثلاثة أيام ، بعد أن يئس الأعداء من الوصول إليه ، عادوا أدراجهم ، إلى مكة ، وعندها أكمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طريقه إلى يثرب.
__________________
(١) منطقة تقرب من «المدينة».