إلى حضارة ، ولم تسمع بمدنية أو حضارة ، كانوا يعيشون في أرض صحراء قاحلة ، وجو مهلك ، مع أتعس الظروف الحياتية ، علما بأنها كانت تستعمر من قبل الدول المجاورة بين آونة وأخرى ، ومع كل هذه الظروف والأحوال نجد القرآن الكريم يتحدّى من طريق آخر ، وهو أنه أنزل بصورة تدريجية مع ظروف متفاوتة مختلفة ، في أيام الفتن والأيام الاعتيادية ، في الحرب والصلح ، وفي أيام القدرة وأيام الضعف وغيرها ، خلال ثلاث وعشرين سنة.
ولو لم يكن من كلام الله تعالى ، وكان من صنع البشر ، لوجد فيه تناقضا وتضادا كثيرا ، فلا بدّ أن يأتي آخره أجود وأحسن من أوله ، وأكثر تطورا ، وهذا مما يؤيده التكامل التدريجي للبشر ، في حين نرى أن الآيات المكيّة والمدنية على نمط واحد ، لم يختلف آخرها عن أوّلها ، كتاب متشابه الأجزاء ، يحيّر العقول في قدرة بيانه ووحدة تنسيقه (١).
__________________
(١) في قوله تعالى شأنه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) سورة النساء الآية ٨٢.