فهو يكدّ ويسعى من أجل تأمين متطلبات حياته ، لأنه يعتبرها من الأسس والمقوّمات لها.
فهو يبادر إلى تناول الماء والطعام ، ليسدّ بهما عطشه وجوعه ، لأن الأكل والشرب ، حاجتان ضروريّتان لاستمرار الحياة.
إن هذه القوانين التي تحكم حياة الإنسان ، تبتني على اعتقاد أساسي ، والإنسان يعتمد عليها في بناء علاقاته ، وهو تصوره عن الحياة والكون ، والذي هو جزء منه ، وتأملاته عن حقيقتها ، ويتضح هذا الموضوع بالتأمل في الآراء المختلفة التي يرتئيها الناس في حقيقة العالم.
فالذين يحصرون الوجود في هذا العالم المادّي المحسوس ، ويعدّون الإنسان كائنا ماديا محضا (يحيا بتدفق الحياة في جسمه ، ويفنى بالموت) فإن نظرتهم هذه إلى الحياة نظرة مادية بحتة ، فهم يسعون إلى تحقيق متطلباتهم الماديّة ، ويبذلون في هذا السبيل قصارى جهودهم لتذليل الظروف والعوامل الطبيعية لأغراضهم ومصالحهم الخاصة.
وأما الذين يعتقدون بأن عالم الطبيعة من صنع خالق أعلى شأنا من الطبيعة ، مثل عبدة الأوثان ، فإنهم يذهبون إلى أن العالم مخلوق ، وخاصة الإنسان ، وقد أسبغ الخالق نعمه عليه ، كي ينعم بخيراتها ، فهم ينسقون برامج حياتهم وفقا لرضى الخالق ، مبتعدين عن سخطه وغضبه ، فإذا ما استطاعوا جلب رضاه ، فنعمه موفورة ، مغدقة عليهم ، وإذا زالت النعم فدليل سخطه عليهم.