التفاهم لا يحصل بين أفراد صمّ وعمي ، لأن ما يقوله الأعمى لا يسمعه الأصم ، وما يقوم به الأصمّ من الإشارات لا يراها الأعمى.
فعلى هذا فإن وضع الكلمات ، وتسمية الأشياء ما هو إلّا لرفع الاحتياجات المادية ، وقد اصطنعت الكلمات للأشياء والأوضاع والأحوال المادية التي تقع في متناول الحسّ ، أو على مقربة من المحسوس.
وكما نشاهد ففي بعض الموارد ، التي يكون فيها المخاطب فاقدا لإحدى الحواسّ ، وأردنا التكلّم معه عن طريق ذلك الحسّ المفقود ، نلجأ إلى نوع من التمثيل والتشبيه ، إذا أردنا أن نصف لشخص أعمى منذ الولادة ، النور والضياء ، أو أن نصف لطفل لم يبلغ سن البلوغ ، لذة العمل الجنسي ، فإننا نقوم بنوع من المقارنة والتشبيه المناسب.
وعليه إذا افترضنا أن هناك في الكون واقعيات ليست بمادة (وواقع الأمر هكذا) ، فهناك من البشر ـ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد ـ في كل عصر ، من لهم القدرة على إدراكها ومشاهدتها ، وهذه الأمور لا يمكن توضيحها للآخرين عن طريق البيان اللفظي والفكر الاعتيادي ، ولا يسعنا الإشارة إليه إلا بالتمثيل والتشبيه.
فالله تعالى يقول في كتابه العزيز (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (١) أي لا يتوصل إليه الفهم الاعتيادي ، ولا يبلغه.
__________________
(١) سورة الزخرف الآية ٣ ـ ٤.