هي النفس ، فهي حية لذواتها ، فعالة لذواتها. فإذا اتفق أن نفذت تلك الأجسام الشريفة الروحانية النورانية في تضاعيف البدن ، بقي البدن حيا ، فعالا ، دراكا ، وإذا فسد مزاج البدن واستولت الأخلاط الغليظة عليه ، وصار بحيث لا يقبل الآثار عن الجوهر ، المسمى بالروح ، وانفصل الروح عن البدن؟ فهذا احتمال لا بد من إبطاله.
والمقام الثاني : وهو أنا نسلم أن تلك الأجزاء التي هي الإنسان ، مماثلة لسائر الأجسام في تمام الماهية ، إلا أن الفاعل المختار يبقيها في داخل البدن ، مصونة عن التغير والانحلال ، من أول وقت الحياة إلى آخر وقت الممات ، ثم إنها عند الموت تنفصل. والفاعل المختار يفعل ما بها ما يشاء. إما بأن يوصل إليها الروح والراحة والريحان ، وإما بأن يعذبها بأنواع العذاب والخسران.
والجواب : اعلم : أن الفلاسفة يدفعون هذا الاحتمال ، بناء على مقدمتين :
فالمقدمة الأولى : إنهم أقاموا الدلالة على أن جميع الأجسام ، متماثلة في تمام الماهية. وقد سبق ذكر (١) هذا الدليل.
والمقدمة الثانية : إنه سبحانه وتعالى عام الفيض ، ويمتنع أن يخص أحد المثلين بخاصية وأثر [لا يحصل في الثاني (٢)] وهذه المقدمة فلسفية محضة.
إذا ثبت هذا ، فنقول : إن تلك الأجزاء الأصلية البدنية مساوية للأجزاء الفرعية القابلة للانحلال في تمام الماهية. وإذا ثبت هذا فنقول : نسبة الأحوال الموجبة للانحلال والذوبان إلى جميع الأجزاء الموجودة في هذا البدن : على التساوي. ويمتنع أن يقال : إن إله العالم خصص بعض تلك الأجزاء بالإبقاء ، والصون عن الانحلال والفناء ، من غير سبب مخصص. لأنا ذكرنا : أن الفيض عام ، وأن الترجيح من غير مرجح محال [في العقول (٣)] وإذا كان الأمر
__________________
(١) من (م).
(٢) سقط (طا ، ل).
(٣) سقط (ط).