اليدين ولا في الرجلين ، ولا في أكثر الأعضاء. والعلم بذلك ضروري ، فيمتنع أن تكون جملة البدن موصوفة بتلك الصفات. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون ذلك الجسم جسما موجودا في داخل البدن. لأن ذلك الجسم. إن كان مشابكا في جملة أجزاء البدن (١) عاد المحال الأول. وإن كان حاصلا في موضع معين من البدن ، فهذا باطل. وإلا لكنا نجد في أبداننا موضعا معينا مشتملا على شيء موصوف بمجموع هذه الصفات. والعلم الضروري حاصل بأنا لا نجد في هذا البدن موضعا موصوفا بمجموع هذه الصفات.
فإن قالوا : هب أنكم لا تعرفون ذلك الموضع ، إلا أن عدم العلم بالشيء ، لا يدل على العلم بعدمه. فنقول : إن علم كل أحد بنفسه ، علم ضروري ، وهو سابق على جميع العلوم. بدليل : أني كلما علمت أو اعتقدت شيئا ، فإني أعلم كوني عالما بذلك الشيء أو معتقدا له. وعلمي بنفسي ، سابق على علمي بكوني عالما بذلك الشيء أو معتقدا له. فثبت : أن علمي بنفسي أجلى العلوم الضرورية. فإذا كان المشار إليه بقولي «أنا» : عبارة عن ذلك الجسم الموجود في ذلك الجسم الموجود في ذلك الموضع المعين من البدن ، وكان ذلك الشيء بعينه موصوفا بجملة هذه الصفات. وهي السمع والبصر والذوق [والشم (٢)] واللمس والتخيل والتفكر والتذكر والتعقل. فإن الإنسان كلما علم كونه موصوفا بصفة من هذه الصفات ، فقد علم نفسه. فإذا كان ذلك العالم هو ذلك الشيء المحصور في ذلك الموضع. فحينئذ نعلم بالضرورة : أن ذلك العالم الموصوف بتلك الصفات ، هو الشيء الموجود في ذلك الموضع ، فوجب أن نعلم بالضرورة أن الشيء المشار إليه بقولي : «أنا» : هو الشيء المختص بذلك الموضع. ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا : أنه يمتنع أن يكون الشيء الموصوف بهذه الصفات جسما حاصلا في موضع معين من هذا البدن.
__________________
(١) البدن وأجزائه (م).
(٢) من (ل).