وأما القسم الثالث : وهو أن يكون ذلك الشيء جسما خارجا عن البدن ، فهو معلوم الفساد بالضرورة. وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة ، ثبت : أن ذلك الشيء ليس بجسم.
والوجه الثاني في بيان أن ذلك الشيء ليس بمتحيز : هو أن نقول : ذلك المتحيز ، إما أن يكون منقسما ، أو لا يكون منقسما. والقسمان باطلان. أما أنه يمتنع أن يكون منقسما. فلأن الموصوف بهذه الصفات ، إما أن يكون مجموع تلك الأقسام ، أو كل واحد منها أو واحد منها معينا. والكل باطل ، لعين البيان المذكور في الدليل المتقدم.
وأما أنه يمتنع أن يكون غير منقسم ، فهو إنا إن نفينا الجوهر الفرد ، فقد تم المقصود ، وإن أثبتناه أبطلناه بعين ما ذكرناه في الدليل [الأول (١) والله أعلم].
الحجة السابعة : إن نفس كل أحد شيء واحد. ومتى كان الأمر كذلك ، امتنع كونه جسما.
أما بيان المقام الأول : فهو أن أعرف المعارف ، وأظهر الظاهرات : علم كل أحد بأنه موجود ، وعلمه بأنه واحد.
أما بيان الأول : فالدليل عليه أني إذا علمت شيئا فإني أحكم على نفسي بكوني عالما بذلك المعلوم ، والحكم بشيء على شيء ، مسبوق بتصور الطرفين ، وهذا يقتضي أن علمي بذاتي ، كان سابقا على علمي بذلك الشيء ، حتى حكمت على نفسي بكونها عالمة بذلك المعلوم.
وأما بيان الثاني : فالدليل عليه : أني لو لم أكن شيئا واحدا ، بل كنت أشياء كثيرة ، وأنا عبارة عن مجموعها. لكان كل واحد من تلك الأشياء عالما بحال نفسه ، ويكون غافلا عن حال الآخر. وحينئذ لا يكون ذلك المجموع
__________________
(١) سقط (م ، ط). وفي م : المتقدم.